وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا" (١).
وإنَّنا نجد ذلك واقعاً في زماننا، لكن مع وجود مقابله، فالمراد استحكام الجهل في علم الكتاب والسُّنَّة، ودُرُوس العِلْم، وذَهَابُ العلماء.
وهذا الحديث الشَّريف قاله النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّة الوَدَاع، وفيه ذمٌ للَّذين يُفْتُون برأيهم استكباراً وأنفة أن يقولوا لا نعلم، وذمُّ مَنْ يبادر ويسارع إلى الفتوى بغير علم، وفيه الحثُّ على طلب علم الكتاب والسُّنَّة وأخذه عن أهله، وفيه بيان فضل العلماء، وأنَّ ذهابهم نذيرُ شرٍّ، وفيه النَّهي عن اتّخاذ الجُهَّال رؤوساً وأئمَّة.
وقد أخبر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ مِن أشراط السَّاعة رفع العلم، وكثرة الجهل، وذلك بقبض العلماء، وغلبة السُّفهاء، قال - صلى الله عليه وسلم -:"إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ " (٢).
وأخرج البخاري عن مرداس مرفوعاً، قَال: قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوْ التَّمْرِ لَا يُبَالِيهِمْ اللهُ بَالَةً" (٣).
أي في آخر الزَّمان يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ أَسْلَافًا، وَيَفْنَى الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ
(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ١/ج ١/ص ٣٤) كتاب العلم، وأخرجه في الاعتصام.
(٢) البخاريّ "صحيح البخاريّ" (م ٣/ج ٦/ص ١٥٨) كتاب النِّكاح.
(٣) البخاري "صحيح البخاري" (م ٤/ج ٧/ص ١٧٤) كتاب الرّقاق. وأورده موقوفاً في المغازي (م ٣/ج ٥/ص ٦٣) عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم أَنَّهُ سَمِعَ مِرْدَاسًا الْأَسْلَمِيَّ، يَقُولُ: " يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لَا يَعْبَأُ الله بِهِمْ شَيْئًا ".