كما أعلم أنَّ الله تعالى أغناها - رضي الله عنها - عن دفاع كُلِّ أحد، فقد تولَّى الله - عز وجل - الدِّفاع
عنها وعن المؤمنين، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (٣٨)} الحجّ، وأعلم أنَّ الله تعالى حَسْبُها، {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)} الأنفال، وأنَّه وليُّها، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا (٢٥٧)} البقرة وأنَّه أنزل في إخلاء ساحتها عشر آيات بيِّنات نيِّرات.
لكن مضَّني سماعُ ثَلْبِهم وقَرْفِهم لمن زكَّاه اللهُ وقَرَظَه وأَطْرَاه، وأمرضني أن أظهروا العداوة ودَقُّوا عِطْرَ مَنْشِمِ، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (١١٨)} آل عمران وصار في صدْري بلابِلُ تقطِّع الأنفاسَ أَسَفاً على ما آل إليه أمْرُ المسلمين!
لكن مهما طالت الأيدي وقصرت، فستظلّ دعوتُهم صَرْخَةً في وادٍ، أو ضربةً في حديد بارد، أو نفخةً في رَمَاد، أو سحابةَ صَيْفٍ سُرْعَان ما تنقشع وتتكشَّف، فالحقُّ له مقامٌ ومقال:
الحقُّ أَبْلَجُ لا تَزِيغُ سَبِيلُهُ وَالحقُّ يَعْرِفُهُ أُولُو الألبَاب
فلا يضرُّ عالماً جَهْلُ جَاهِلٍ، ولا يضرُّ شريفاً عيبُ وضيعٍ، وكفى بالمرءِ شرّاً أنْ يقع في الصَّالحين، وهو ليس منهم! وصدق القائل:
ذو العقلِ لا يَسْلَمُ مِن جاهلٍ يسومُهُ عَسْفاً وإِعناتا
وقد جعلت هذا الكتاب في أَقسام ثمانية، وضمَّنته من الآيات المحكمات، والأحاديث القاطعات، والحجج الباهرات، والبراهين السَّاطعات، والأخبار المسندات ما يشرح الصُّدور، ويداوي المصدور.