قوله - صلى الله عليه وسلم - يفهم أنَّ الاختلاف أيّاً كان يُذمُّ إذا صحبه بغيٌ، لأنَّه يفضي إلى الهلاك.
وكاختلافهم في قطع الأشجار، فقد قطع قوم وترك آخرون، قال تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ (٥)} الحشر.
ومنه اختلاف أنظار الفقهاء فيما اجتهدوا فيه من فروع الأحكام، وفضائل السُّنن، ومسائل الفقه المعتبرة، وفي هذا الخلاف قال رشيد رضا: "نتعاون فيما اتَّفقنا عليه، ويعذرُ بعضُنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".
فالاختلاف في الاجتهاد معتبر، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ " (١).
وما شجر بين الصَّحابةلا إله إلا الله بعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه - من هذا النَّوع، فقد اجتهدوا وسعهم، وَسَعوا بين أَجْر وأَجْرين، فَمَنْ أَصَابَ منهم فله أجران: أجر باجتهاده، وأجر بإصابته، ومَنْ أخطأ فله أجر على جهده في الاجتهاد، وحسن نيَّته.
ويدلّك على أنَّه اختلاف تنوّع أنَّك تجد أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا ولم يتفرَّقوا، ولم يصيروا شيعاً، ولم يكن بينهم عداوة ولا قطيعة، ولم يكن قتالهم يوم الجمل مقصوداً، وإنَّما كان قدراً مقدوراً.
أمَّا اختلاف التَّضاد، فهو اختلاف حقيقيّ مَذْمُوم لا يأتي بخير، وهو اختلاف في الأصول والاعتقاد والتَّأويل ومسائل الإجماع، وغالباً ما يؤول إلى الخصومة والعداوة والافتراق، ويؤدِّي إلى التَّناحر والشِّقاق.
(١) البخاري "صحيح البخاريّ" (م ٤/ج ٨/ص ١٥٧) كتاب الاعتصام.