فأبوها أبو بكر - رضي الله عنه - ليس ككلِّ الآباء، فقد شابه النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في خلال محمودة
وخصال مشهودة، فإلى جانب صفة الصِّدق، وَصَفَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ في حديث الهجرة بصفات اشتهر بها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال له مستغرباً لمَّا لقيه خارجاً في طريقه إلى الحبشة: "إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ، وَلَا يُخْرَجُ؛ فَإِنَّكَ تَكْسِبُ المعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " (١).
وهي نظير صفات النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتي وصفت بها خديجة - رضي الله عنها - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث بدء الوحي حيث قالت للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:"إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ المعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" (٢).
ولمّا انطلقت خديجة به - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إلى ابن عمِّها وَرَقَة، استبعد - صلى الله عليه وسلم - أن يخرجه قومه؛ لما جمع من مكارم الأخلاق، فلمّا قال له وَرَقَةُ: " ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومُكَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أومخرجيَّ هم؟! قال: نعم؛ لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثل ما جئت به إلّا عودي" (٣).
ولعلَّ ابْنَ الدَّغِنَةِ استدلَّ بمكارم الأخلاق الَّتي حازها أبو بكر عَلَى أَنَّه لَا يَخْرُج. ولاعجبَ أن يجمع أبوبكر هذه الأخلاق كُلَّها، فقد كان صاحِبَ صَاحِب الخلق العظيم، الَّذي قال له - جل جلاله -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} القلم، فلم
(١) ((البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٣/ص ٥٨) كتاب الكفالة.
(٢) ((مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ١/ج ٢/ص ٢٠٠) كتاب الإيمان. والبخاري "صحيح البخاري" (م ١/ج ١/ص ٣) كيف كان بدء الوحي.
(٣) ((المرجع السّابق.