مثله، وإنَّما كان يأخذها بالرِّفق واللُّطف والمودَّة والرَّحمة، وفي التَّنزيل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} القلم وهذا مِن السِّياسة الشَّرعيَّة في الحياة الزَّوجيَّة.
غيرتها - رضي الله عنها -
مَا غارت عائشة - رضي الله عنها - على امرأة للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما غَارت على خديجة - رضي الله عنها -، أخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّها قالت: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ؛ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا، وَقَدْ أُوحِيَ إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ" (١) أي من لؤلؤ مجوَّف.
ولا غرابةَ أنْ يُكْثِرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من ذكر خديجة - رضي الله عنها - بعد موتها، فَمَنْ أحبَّ شيئاً أكثر ذِكْرَه وفاءً ومحبَّةً له، فكيف بسيِّد الأنبياء والأوفياء - صلى الله عليه وسلم -! ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يذكرها، ويثني عليها أحسنَ الثَّناء، فكانت عائشة - رضي الله عنها - تأخذها الغيرةُ، روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، قَالَتْ: "اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ
عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ؛ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ، قَالَتْ
فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ (٢)، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ الله خَيْراً مِنْهَا " (٣).
أي أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا سمع صوت هالة أخت خديجة تستأذن، تَذَكَّر خديجة؛ لشبه صوتها بصوت أختها، فاهتزَّ لذلك فرحاً، فقالت عائشة - رضي الله عنها - ما قالت معبِّرة
(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٣/ج ٦/ص ١٥٨) كتاب النّكاح.
(٢) كناية عن سقوط أسنانها من الكِبَر، فلم يبق إِلَّا حُمْرَةُ اللَّثَاةِ.
(٣) البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٤/ص ٢٣١) كتاب المناقب.