بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فصل في قتال الكفار هل هو سبب المقاتلة أو مجرد الكفر؟
وفي ذلك قولان مشهوران للعلماء:
الأول: قول الجمهور، كمالك، وأحمد بن حنبل، وأبي حنيفة وغيرهم.
الثاني: قول الشافعي وربما علل به بعض أصحاب أحمد.
فمن قال بالثاني قال: مقتضى الدليل قتل كل كافر، سواء كان رجلا أو امرأة، وسواء كان قادرًا على القتال أو عاجزًا عنه، وسواء سالمنا أو حاربنا. لكن شرط العقوبة بالقتل. أن يكون بالغًا، فالصبيان لا يقتلون لذلك. وأما النساء فمقتضى الدليل قتلهن، لكن لم يقتلن لأنهن يصرن سبيًا بنفي الاستيلاء عليهن، فلم يقتلن لكونهن مالا للمسلمين كما لا تهدم المساكن إذا ملكت.
وعلى هذا القول: يقتل الرهبان وغير الرهبان لوجود الكفر. وذلك أن الله علق القتل لكونه مشركا بقوله (فاقتلوا المشركين) فيجب قتل كل مشرك، كما تحرم ذبيحته ومناكحته لمجرد الشرك. وكما يجب قتل كل من بَذلَ دينه لكونه بدله، وإن لم يكن من أهل القتال، كالرهبان. وهذا لا نزاع فيه. وإنما النزاع في المرأة المرتدة خاصة.
وقول الجمهور: هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار. فإن الله سبحانه قال (٢: ١٩١ - ١٩٤ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) إلى قوله - {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} فقوله "الذين يقاتلونكم" تعليق للحكم بكونهم يقاتلوننا. فدل على أن هذا علة الأمر بالقتال.
صورة الصفحة الأولى من المطبوعة