وَقَالَ الْأَصْحَابُ: يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْجِيَادِ، وَيُكَلَّفُونَ رُكُوبَ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ إِلَّا النَّفِيسَةَ الَّتِي يُتَزَيَّنُ بِرُكُوبِهَا فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى الْخَيْلِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَتَمَيَّزَ مَرَاكِبُهُمْ عَنِ الْمَرَاكِبِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْأَمَاثِلُ وَالْأَعْيَانُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ.
وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رِكَابُهُمُ الْعَرُورَ، وَهُوَ رِكَابُ الْخَشَبِ، ثُمَّ يُضْطَرُّونَ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ رُكُوبِ وَسَطِ الْجَوَادِ إِذَا كَانَ يَطْرُقُهَا الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ خَلَتْ مِنْ زَحْمَةِ الطَّارِقِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَرَجَ، ثُمَّ تَكْلِيفُهُمُ التَّمَيُّزَ بِالْغِيَارِ وَاجِبٌ حَتَّى لَا يَخْتَلِطُوا فِي زِيِّهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَمْيِيزِهِمْ فِي الدَّوَابِّ وَالْمَرَاكِبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَالَ قَائِلُونَ: التَّمَيُّزُ بِهَا حَتْمٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْغِيَارِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَا عَدَا الْغِيَارَ أَدْنَى، ثُمَّ إِذَا رَأَى الْإِمَامُ وَمَنْ إِلَيْهِ الْأَمْرُ ذَلِكَ فَلَا مُعْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَسُوغُ إِلَّا الِاتِّبَاعُ.
وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ أَنْ تَتَمَيَّزَ بِالْغِيَارِ إِذَا بَرَزَتْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ كَالرَّجُلِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ؛ إِذْ بُرُوزُ النِّسَاءِ نَادِرٌ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَمْيِيزًا فِي الْغِيَارِ.
وَإِذَا دَخَلَ الْكَافِرُ حَمَّامًا فِيهِ مُسْلِمُونَ وَكَانَ لَا يَتَمَيَّزُ عَمَّنْ فِيهِ بِغِيَارٍ وَعَلَامَةٍ، فَالَّذِي رَأَتْهُ الْأَصْحَابُ مَنْعُ ذَلِكَ وَإِيجَابُ التَّمْيِيزِ فِي هَذَا الْمَقَامِ