وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ الْآخِذِ لَا بَاعِثًا بِهَا وَلَا مُوَكِّلًا فِي دَفْعِهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَاهُ عَنْ إِنْعَامٍ مِنْكُمْ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِكُمْ لَهُمْ وَبِالْقَبُولِ مِنْهُمْ، وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ النَّاسُ.
وَأَبْعَدَ كُلَّ الْبُعْدِ وَلَمْ يُصِبْ مُرَادَ اللَّهِ مَنْ قَالَ: الْمَعْنَى: عَنْ يَدٍ مِنْهُمْ، أَيْ عَنْ قُدْرَةٍ عَلَى أَدَائِهَا فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ عَاجِزٍ عَنْهَا، وَهَذَا الْحُكْمُ صَحِيحٌ وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ، وَلَمْ يُفَسِّرْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعَيْنِ وَلَا سَلَفِ الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَذَاقَةِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة: ٢٩ ، حَالٌ أُخْرَى، فَالْأَوَّلُ حَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، أَنْ يَأْخُذُوهَا بِقَهْرٍ وَعَنْ يَدٍ، وَالثَّانِي حَالُ الدَّافِعِ لَهَا أَنْ يَدْفَعَهَا وَهُوَ صَاغِرٌ ذَلِيلٌ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ (الصَّغَارِ) الَّذِي يَكُونُونَ عَلَيْهِ وَقْتَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَنْ يَدْفَعَهَا وَهُوَ قَائِمٌ، وَيَكُونَ الْآخِذُ جَالِسًا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بِنَفْسِهِ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا، وَيُطَالَ وُقُوفُهُ عِنْدَ إِتْيَانِهِ بِهَا وَيُجَرَّ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْعُنْفِ ثُمَّ تُجَرَّ يَدُهُ وَيُمْتَهَنَ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ مُقْتَضَى الْآيَةِ وَلَا نُقِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ.