وَالتَّمْجِيسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْإِيمَانِ، وَالْكُفْرِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَالْإِنْكَارِ، إِنَّمَا فِيهَا قُوَّةٌ قَابِلَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَاسْتِعْدَادٌ لَهُ لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ الْفَاعِلِ مِنْ خَارِجُ.
وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَبْطَلْنَاهُ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَدْحٌ لِلْفِطْرَةِ.
وَإِنْ كَانَ فِيهَا قُوَّةٌ تَقْتَضِي الْمَعْرِفَةَ بِنَفْسِهَا - وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعَلِّمُهَا أَدِلَّةَ الْمَعْرِفَةِ - لَزِمَ حُصُولُ الْمَعْرِفَةِ فِيهَا بِدُونِ مَا تَعْرِفُهُ مِنْ أَدِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ ضَرُورِيَّةٌ فِيهَا، أَوْ تَحْصُلُ بِأَسْبَابٍ كَالْأَدِلَّةِ الَّتِي تَنْتَظِمُ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْمَعَ كَلَامَ مُسْتَدِلٍّ، فَإِنَّ النَّفْسَ بِفِطْرَتِهَا قَدْ يَقُومُ بِهَا مِنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ مَا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى كَلَامِ أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِلْمَعْرِفَةِ حَاصِلًا لِكُلِّ مَوْلُودٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَالْمُقْتَضِي التَّامُّ يَسْتَلْزِمُ مُقْتَضَاهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ:
إِمَّا كَوْنُ الْفِطْرَةِ مُسْتَلْزِمَةً لِلْمَعْرِفَةِ.
وَإِمَّا اسْتِوَاءُ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ بِلَا رَيْبٍ.
فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ مُوجِبَةً مُسْتَلْزِمَةً لَهُ.
وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمْكِنَةً إِلَيْهِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَازِمَةٍ لَهُ.
فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ: إِذْ كِلَاهُمَا مُمْكِنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَازِمَةٌ لَهَا وَاجِبَةٌ إِلَّا أَنْ يُعَارِضَهَا مُعَارِضٌ.
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَتْ مُوجِبَةً مُسْتَلْزِمَةً لِلْمَعْرِفَةِ، وَلَكِنَّهَا إِلَيْهَا أَمْيَلُ مَعَ قَبُولِهَا