هيهاتَ ما أ دنَى المحالَ من الأُلَى ... طلبوا الوصولَ وما أَتَوا من بابِهِ (١)
وقوله: "ينبغي أن يكون لصاحب السماع ظمأٌ دائم وشرب دائم، كلما ازداد شربه ازداد ظمؤه" حق، ولكن ظمأٌ إلى ماذا؟ وشربٌ من ماذا؟ فمحبُّ الرحمن وكلامه، الذي قد فَنيَ بكلام محبوبه عن كلام غيره، وبسماعه عن سماع غيره، وبمراده عن مراد نفسه، له ظمأٌ دائم إلى كلام محبوبه، لا يزال عطشان، كلما ازداد شربًا ازداد ظمأً، وكلما ازداد له سماعًا وتلاوةً ازداد فيه ذوقًا وحلاوة، وكلما قطع عَلَمًا من أعلامه بَدَا له عَلَمٌ آخر إلى غير (٢) نهاية.
فيَسمعُه والقلبُ قد زادَ شوقُه ... يقول أَهَلْ بعد السماع تَدَاني ... فيشرب منه القلبُ معناه ظَامِئًا ... فيا عُظْمَ ما يَلْقَى (٣) من الهَيَمان
فيذكر شيئًا قاله بعضُ من خلا ... تَمالَا عليه القلبُ والأذُنانِ
كأن رقيبًا منك يَرعَى خواطرِي ... وآخرَ يَرعَى مقلتي ولساني
فما نظرتْ عينايَ بعدَكَ منظرًا ... من الحسن إلا قلتُ قد رَمَقَانِي
ولا سمعتْ أُذْنايَ (٤) بعدك مسمعًا ... من القولِ إلا أمسكا بعِنانِي (٥)
(١) الأبيات للمؤلف كما في نسخة ع.
(٢) ع: "غاية".
(٣) ع: "يلقاه".
(٤) ع: "أذني".
(٥) يبدو أن الأبيات للمؤلف. ضمَّنها البيتين الرابع والخامس لغيره، وهما للبحتري في "مصارع العشاق" (٢/ ١٩٥)، وفي "الزهرة" (١/ ٢١٣) لبعض أهل العصر. ونظر في البيتين الأولين إلى بيتي ابن الرومي في "روضة المحبين" (ص ٥٢، ١٣١). والأبيات أوردها محقق ديوان البحتري في ذيل الديوان (ص ٢٦٨٢).