وقال ابن أبي عمران شيخُ الطحاوي وأستاذُه، عن أبي يوسف والحسن ق ٣٩ بن زياد قالا: قال أبو حنيفة: عِلْمُنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه منه (١).
وذكر أبو عمر بن عبدالبر (٢) عن معن بن عيسى قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلما وافق القرآن والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب و السنة فاتركوه.
ولقد أصاب القائل بأنا نناشدهم الله واحدًا واحدًا، هل يفعلون هكذا؟ فوالله لئن قالوا: نعم؛ ليعلمنَّ اللهُ تعالى وأنفسُهم أنهم كاذبون، وإن قالوا: لا، أو سكتوا؛ فقد خالفوا ما يدّعون اتباعَه، وبالله التوفيق.
وقال القعنبي: دخلتُ على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه فسلّمت ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت: يا أبا عبد الله، ما الذي يُبْكيك؟ فقال لي: يا ابن قَعْنب، وما لي لا أبكي ومن أحقّ بالبكاء منّي! والله لوَدِدت أني ضُرِبْتُ بكلّ مسألة أفتيتُ فيها برأيي سوطًا سوطًا، وقد كانت لي سَعَة فيما سُبِقْت إليه وليتني لم أُفْتِ بالرأي (٣).
(١) ذكره ابن عبدالبر في «الانتقاء» (٢٥٧ - ٢٥٨) بنحوه. ونقله المصنف في «الإعلام»: (٢/ ١٤٣).
(٢) «الجامع»: (١/ ٧٧٥). وما بين المعكوفين منه.
(٣) رواه ابن حزم في «الإحكام»: (٦/ ٥٧) بلفظه، وابن عبدالبر في «الجامع»: (٢/ ١٠٧٢).