والسلام "لا يقبل الله عملا إلا بالورع الشافي" وكما قيل: ملاك الدين الورع، وهلاكه الترف، ونقصه السرف، فكما انتظم الكتاب قصر الخلق على أفضل متضرفاتهم في التدين، اتصل به قصرهم على أفضل مأكلهم في التقوت.
ولما ذكر الدين في رتبتي صنفين: من الناس، والذين آمنوا، انتظم به ذكر المأكل في صنفيهما، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فانتظم بخطاب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} لما بين العبادة والمأكل من الالتزام - انتهى.
{كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا}
قال الْحَرَالِّي: وهو ما انتفى عنه حكم التحريم، فينتظم بذلك ما يكره ومالا يكره، والتحريم المنع مما يلحق الأكل منه ضرر في جسمه كالميتة، أو في نفسه كلحم الخنزير، أو رين على قلبه كما أهل لغير الله به.
{طَيِّبًا}
قال الْحَرَالِّي: الحلال مطلوب ليكتسب، لا ليؤكل حتى يطيب، والطيب مالا منازع فيه - انتهى.
{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} فهو يبعدهم - كما
قال الْحَرَالِّي - عن وطن ما هم عليه من الائتمار في مأكلهم إلى التناول بشهواتهم، ليستدرجهم لذلك من خطوة الأكل بالشهوة إلى الأكل بالهوى، فيتداعى منها إلى المحرمات - انتهى.
وفي قوله: {يَأْمُرُكُمْ} كما
قال الْحَرَالِّي: إنباء بما مكنه الله، سبحانه وتعالى حتى صار أمرا {بِالسُّوءِ} وهو خبائث الأنفس الباطنة التي يورث فعلها مساءة.
{وَالْفَحْشَاءِ}
قال الْحَرَالِّي: وهو ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال