{مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)}
{كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ} من التكليف والامتناع من الشهوات والملاذ. دمره: أهلكه، ودمر عليه: أفسد عليه ما يختص به من نفسه وولده وماله.
{وَلِلْكافِرِينَ} أمثال تلك العاقبة أو الهلكة أو السنة؛ كقوله تعالى: {سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} (١) {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} وليهم وناصرهم.
روي أن الكفار نادوا يوم أحد: علا هبل؛ فأجابهم المسلمون: الله أعلى وأجل؛ فقال المشركون: لنا العزى، ولا عزى لكم، فقال المسلمون: الله مولانا ولا مولى لكم (٢) وقوله تعالى: {وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} (٣) هل فيه مناقضة لهذا؟ قلت: لا تناقض بينهما؛ لأن الله تعالى مولى جميع العالم، وأنه خالقه ومدبره، وأما على معنى الناصر فهو مولى المؤمنين خاصة. {يَتَمَتَّعُونَ} ينتفعون بمتاع الحياة الدنيا زمنا قليلا. {وَيَأْكُلُونَ} غافلين كما تأكل الأنعام في مسارحها ومعالفها غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح. {مَثْوىً لَهُمْ} منزل ومقام. وأراد بالقرية أهلها ولهذا قال: {أَهْلَكْناهُمْ}.
ومعنى {أَخْرَجَتْكَ} كانوا سبب إخراجك. فإن قلت: كيف قال: فلا ناصر لهم وإنما هو أمر قد مضى؟ قلت: أجري مجرى الحال المحكية؛ كأنه قال: أهلكناهم فهم لا ينصرون {كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ} هم أهل مكة الذين زين لهم الشيطان شركهم وعداوتهم لله ورسوله ومن {كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} أي: على حجة وبرهان، وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى: لا يستوي من اتبع الحجة الصحيحة ومن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا. {مَثَلُ الْجَنَّةِ} صفة الجنة العظيمة الشأن، وهو مبتدأ وخبره {كَمَنْ هُوَ خالِدٌ} وقوله:
{فِيها أَنْهارٌ} داخل في حكم الصلة؛ كالتكرير لها؛ لأنك لو قلت: مثل الجنة التي فيها أنهار لكان صحيحا. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هي فيها أنهار؛ كأن (٢٦٣ /أ) قائلا قال: وما مثلها؟ فقيل: فيها أنهار، وأن يكون في موضع الحال؛ أي: مستقرة فيها
(١) سورة الأحزاب، الآية (٣٨).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٤/ ١٠٥) و (٢٦/ ٤٤).
(٣) سورة الأنعام، الآية (٦٢).