{أُولئِكَ} إشارة إلى المذكورين {لَعَنَهُمُ اللهُ} لإفسادهم وقطعهم الأرحام، ويجوز أن يريد بالذين آمنوا المؤمنين المخلصين، وأنهم يتشوقون إلى الوحي إذا أبطأ عليهم؛ {فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} في معنى الجهاد، رأيت المنافقين فيما بينهم يتضجرون منها.
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦)}
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} أي: لا يتصفحون معانيه، ووعيده للعصاة حتى لا يجسروا على المعاصي، ثم قال: {أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} أم بمعنى بل، وهمزة التقرير للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل إليها ذكر. وعن قتادة في قوله: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} لو تدبروه لوجدوا فيه شفاء لما في صدورهم (١).
فإن قلت: لم نكرت القلوب وأضيفت الأقفال إليها؟ قلت: أما تنكير القلوب فلأحد وجهين: أحدهما: تعظيم أمر الغشاوة التي استولت على قلوبهم. أو: على قلوب وأي قلوب!! وأما إضافة الأقفال إليها فإنه يريد الأقفال المختصة بها، وهي أقفال الكفر.
{الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ} خبر إنّ، أي: سهل لهم ركوب العظائم، وهو من السول الذي هو استرخاء الإراقة؛ قاله بعض الناس، وأنكره الزمخشري (٢٦٤ /أ) وقال: وهو لا يوافق قواعد التصريف (٢). {وَأَمْلى لَهُمْ} وأمد لهم؛ من الإمداد، وهم اليهود؛ كفروا بمحمد عليه السلام بعد تبيّن صحة نبوته ونعته في التوراة، وقيل: هم المنافقون.
وقوله: {قالُوا} يريد اليهود، والذين {كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ} المنافقون. وقيل: هو قول المنافقين لقريظة والنضير: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} الآيات (٣). وقيل: {بَعْضِ الْأَمْرِ} التكذيب برسول الله صلى الله عليه وسلم أو ب "لا إله إلا الله" أو بترك القتال معه. وقيل: هو قول أحد الفريقين للمشركين: سنطيعكم في التظافر على عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على
(١) رواه الطبري في تفسيره (٢٦/ ٥٧).
(٢) الكشاف (٤/ ٣٢٦) وعبارته: "وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعا".
(٣) سورة الحشر، الآية (١١).