يرجع إلى كل واحد؛ لأن كل واحد منهم كذب الرسل كلهم، وأن يراد تكذيب كل أمة رسولها، ووحد الضمير المصحح ل "كل" على اللفظ دون المعنى.
{فَحَقَّ وَعِيدِ} فوجب وحل. عيي بالأمر: إذا لم يهتد لوجه الصواب فيه، والمعنى أنهم علموا أن الله قدر على إيجادنا أول مرة فهو يقدر على إيجادنا ثانيا. {فِي لَبْسٍ} أي: في اختلاط وشبهة، وقد لبس عليهم الشيطان أمرهم؛ فإنه أثبت في أذهانهم أن إحياء الموتى لا يتصور، وإنما نكر في {خَلْقٍ جَدِيدٍ} لأنه أراد خلقا جديدا له شأن بخلاف تعريفه في أول السورة.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)}
الوسوسة: الصوت الخفي، ومنه: وسواس الحلي، ووسوسة النفس: هو ما يخطر ببال الإنسان، والباء في قوله: {تُوَسْوِسُ بِهِ} مثلها في: همس به وصوّت به، ويجوز أن تكون الباء للتعدية، والضمير للإنسان؛ أي ما يجعله موسوسا، و "ما" مصدرية. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} يعني، قرب مجاز، وقوله: {مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} أي: من حبل العاتق، وهو مثل في القرب؛ كما يقال: هو مني مقعد القابلة ومعقد الإزار، قال ذو الرمة من السريع: والموت أدنى لي من الوريد (١) (٢٧٢ /أ).
والوريدان: عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها، متصلان بالوريد، يردان من الرأس إليه، وإضافة الحبل إلى الوريد يشبه إضافة الحبل إلى نفسه وجاز ذلك كما قالوا: بعير سائبة، والسائبة هو البعير، أو يراد حبل العاتق؛ فيضاف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق؛ لاجتماعهما في عضو واحد.
و {إِذْ} منصوب ب {أَقْرَبُ} لأن الظروف تعمل فيها المعاني متقدمة ومتأخرة.
وروي في الحديث: "إن مقعد ملكيك على ثنيتك، ولسانك قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت غافل عن ذلك" (٢).والتلقي: التلقن بالحفظة والكتبة، والقعيد: المقاعد كالجليس
(١) هذا عجز بيت لذي الرمة، وصدره:
هل أغدون في عيشة رغيد ... ينظر في: تفسير البيضاوي (٥/ ٢٢٦)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٣٨٣).
(٢) ذكره الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار في الكشاف (٣/ ٣٥٧) ونسبه للثعلبي بإسناده إلى علي بن -