والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والبر والبحر والموت والحياة، وقال: كل واحد منها زوج، والله تعالى فرد لا مثل له (١). {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تعرفون بذلك الخالق فتعبدونه وحده. {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ} إلى طاعة الله. {كَذلِكَ} أي: الأمر مثل ذلك، وذلك إشارة إلى تكذيبهم الرسول وقولهم فيه (٢٧٧ /أ) الأقاويل المختلفة، ولا يصح أن تكون الكاف منصوبة ب "أتى" لأن "ما" النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
{أَتَواصَوْا بِهِ} يعني الكفار الأولين والكفار المتأخرين بهذا القول وهو نسبته إلى السحر والجنون. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} تجاوزوا الحدّ ولم يتواصوا. {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فأعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة فلم يجيبوا، ولا تدع التذكير بالمواضع زمنا بعد زمن بعد ما بلغت وأديت ما عليك. {فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} تحثهم وتبعثهم على زيادة التذكر وروي أنه لما نزل: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وظن أن الوحي قد انقطع من السماء فنزل {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (٢).
{وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)}
{وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} إلا ليعرفون، ولو خلقهم ليعبدوه لعبدوه الكل؛ فإنه سبحانه فعال لما يريد.
{الْمَتِينُ} الشديد القوة، قرئ بالرفع نعتا لقوله: {ذُو الْقُوَّةِ} وبالجر (٣) على معنى الاقتدار. الذنوب: الدلو الكبير، وأصله في السقاة يتزاحمون على الموارد فيجعل لهذا ذنوب ولهذا ذنوب، ثم نقل ذلك فصار بمعنى النصيب؛ قال الشاعر من الرجز:
(١) ذكره بهذا السياق الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٠٤)، ورواه الطبري في تفسيره (٢٧/ ٨) مختصرا عن الحسن، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٦٢٣) عن مجاهد.
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٢٧/ ١١).
(٣) قرأ جمهور القراء بالرفع، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بالجر. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ١٤٣)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٩٤)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ٩٣)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٢١)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٨٩)، معاني القرآن للفراء (٣/ ٩٠).