{أَوْلِياءُ لِلّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)}
{بِئْسَ} مثلا {مَثَلُ الْقَوْمِ} {كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ} أي: بالآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومعنى {حُمِّلُوا التَّوْراةَ} كلفوا العلم بها والعمل {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها} ثم لم يعملوا بها؛ فكأنهم لم يحملوها. ومحل {يَحْمِلُ} نصب؛ أي: حملوها كالحمار حامل الأسفار، ويجوز أن يكون محله جرا؛ نعتا للحمار؛ لأنه لم يقصد حمار بعينه؛ إنما أراد هذا الجنس فهو نكرة؛ فكأنه قال:
كمثل حمار حامل للأسفار. دخلت الفاء في قوله: {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} لأن الكلام فيه معنى الشرط، وهو كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ} (١).
حاصله: أن دخول "إن" لا يمنع من دخول الفاء في الخبر؛ بخلاف ليت ولعل (٢).
يوم الجمعة: يوم الفوج المجموع (٣) فإن الفعلة: الذي يفعل به الفعل؛ فإذا قلت:
(١) سورة البروج، الآية (١٠).
(٢) قال ابن مالك: "حق خبر المبتدأ ألا يدخل عليه فاء؛ لأن نسبته من المبتدأ نسبة الفعل من الفاعل، ونسبة الصفة من الموصوف، إلا أن بعض المبتدآت تشبه أدوات الشرط، فتقترن بالفاء جوازا وذلك: إما موصول بفعل لا حرف شرط معه، أو بظرف، وإما موصوف بهما، وإما مضاف إلى أحدهما، وإما موصوف بالموصول المذكور بشرط قصد العموم، واستقبال معنى الصلة، أو الصفة؛ نحو:" الّذي يأتيني، أو في الدّار فله درهم".
فلو عدم العموم لم تدخل الفاء؛ لانتفاء شبه الشرط، وكذا لو عدم الاستقبال، أو وجد مع الصلة، أو الصفة حرف شرط. وربما دخلت في خبر موصول مع عدم العموم، والاستقبال كقوله - تعالى -: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ آل عمران: ١٦٦. وإذا دخل شيء من نواسخ الابتداء على المبتدأ الذي اقترن خبره بالفاء أزال الفاء، إن لم يكن (إن) أو (أن) أو" لكنّ "بإجماع من المحققين. فإن كان الناسخ" إنّ "أو" أنّ "أو" لكنّ "جاز بقاء الفاء؛ نص على ذلك في" إنّ "و" أنّ "سيبويه وهو الصحيح الذي ورد نص القرآن المجيد به كقوله - تعالى -: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الأحقاف: ١٣ وقوله - تعالى -: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ كما ذكر المصنف هنا. ينظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك (١/ ١٦٠ - ١٦١)، الكتاب لسيبويه (٣/ ١٠٢)، همع الهوامع للسيوطي (١/ ٣٤٧).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط في الأصل ومثبت من الكشاف وبه يستقيم الكلام.