خلقه لفرط احتماله ما يؤذى به وحسن مداراته لقومه، وعن عائشة أنها سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن، اقرأ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (١).
{بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)}
{الْمَفْتُونُ} المجنون؛ لأنه فتن، أي: امتحن بالجنون، والعرب تزعم أن الصرع من تخييل الجن، والباء زائدة، و {الْمَفْتُونُ} مصدر، كالمعقول والمجلود؛ أي: بأيكم الجنون، أي: بأي الفريقين يوصف بالفتنة: المؤمنون أو الكافرون، وهو تعريض بأبي جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة وأضرابهما، وهو كقوله تعالى: {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ} (٢).
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} بالمجانين على الحقيقة وأعلم {بِالْمُهْتَدِينَ} أو يكون وعدا ووعيدا؛ وكانت الكفار قد دعوه إلى دين آبائه؛ فنهي عن ذلك بقوله: {فَلا تُطِعِ} وقوله: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} لو تلين وتصانع {فَيُدْهِنُونَ}. فإن قلت: لم رفع {فَيُدْهِنُونَ} ولم ينصب بإضمار " أن "وهو جواب التمني الذي دل عليه" لو "؟ قلت: تقديره: فهم يدهنون؛ كقوله:
{فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ} (٣) أي: ودوا إدهانك فهم الآن مدهنون أي: طامعون في حصول الإدهان منك. قال سيبويه: وزعم هارون أنها في بعض المصاحف" فيدهنوا " (٤). {حَلاّفٍ} كثير الحلف في الحقّ والباطل، وكفى به زجرا لمن يكثر الحلف. ومثله: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ} (٥)
وقوله: {مَهِينٍ} من المهانة، وهي القلة في الرأي والتمييز، أو أراد الكذاب؛ لأنه حقير بين الناس. {هَمّازٍ} عيّاب طعّان. وعن الحسن: يلوي شدقيه في أقفية الناس إذا ولوا (٦).
والنميم والنميمة: السعاية.
(١) سورة المؤمنون، الآية (١) والحديث رواه مسلم رقم (١٢٣٣)، وأحمد في المسند رقم (٢٣٤٦٠)، وأبو داود في سننه رقم (١١٤٤).
(٢) سورة القمر، الآية (٢٦).
(٣) سورة الجن، الآية (١٣).
(٤) الكتاب لسيبويه (١/ ٤٢٢).
(٥) سورة البقرة، الآية (٢٢٤).
(٦) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٥٨٦).