تفسيرا أبلغ من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس (١). و {الْخَيْرُ} الغنى والمال. و {الشَّرُّ} الفقر، أو الصحة والمرض إذا صح الغني منع المعروف وشح بماله، وإذا مرض جزع وأخذ يوصي، ومعنى {إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ} أي: لإيثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه ورسوخهما فيه؛ كأنه مجبول عليهما مطبوع وكأنه أمر خلقي وضروري غير اختياري كقوله: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} (٢) لأنه حين كان في البطن والمهد لم يكن به هلع؛ ولأنه ذم، والله تعالى لا يذم فعله بدليل استثنائه المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم، وحملوها على المضارّة، وطلقوها من الشهوات حتى لا يكونوا جازعين ولا مانعين.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "شر ما أعطي ابن آدم شره مانع، وجبن خالع" (٣).
وفي لفظ "الكشاف": شحّ هالع (٤).
{الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨)}
فإن قلت: كيف قال: {عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ} ثم {عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ؟} قلت: معنى دوامهم عليها: لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل؛ كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"أفضل العمل أدومه وإن قل" (٥).وقوله: {يُحافِظُونَ} أي: على أدائها في أوقاتها ومنه قول
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٦١٢) ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٢٨٣) لابن المنذر عن الحسن أنه سئل عن قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً قال: اقرأ ما بعدها فقرأ: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) قال: هكذا خلق.
(٢) سورة الأنبياء، الآية (٣٧).
(٣) رواه أبو داود رقم (٢٥١١) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ينظر: الكشاف للزمخشري (٤/ ٦١٢).
(٥) رواه البخاري رقم (٥٨٦١)، ومسلم رقم (٧٨٢) عن عائشة رضي الله عنها.