تفسير سورة النبأ مكية
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)}
{عَمَّ} أصله: عما. وجاء ثبوت الألف كقول حسان بن ثابت:
على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرّغ في رماد (١)
والاستعمال الكثير حذف الألف وكأنه أشكل عليه حال هذا المتكلم لما رأى من اختلاف حاله، فشرع عن جنسه ما هو، والله لا يخفى عليه شيء من ذلك. ثم كثر استعماله فاستعمل في التعظيم والتفخيم، والضمير لأهل مكة، كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ويسألون غيرهم عنه على وجه الاستهزاء وإذا وقفت على "عم" قلت: " عمّه" فتثبت هاء السكت. ومنهم من أثبتها في الوصل وأجراه مجرى الوقف (٢). وقيل:
الضمير للكفار وحدهم. وقيل: للمسلمين والكافرين؛ أما المسلم فليزداد (٣٢٧ /أ) خشية وأما الكافر فليزداد استهزاء. والمتساءل عنه القرآن والبعث والنبوة.
{كَلاّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥)}
{كَلاّ} ردع للسائلين هزءا و {سَيَعْلَمُونَ} وعيد لهم وتكرير الردع مع الوعيد تشديد في ذلك. ومعنى "ثم" الإشعار بأن الوعيد الثاني أبلغ من الأول، واتصل قوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً} بما قبله؛ لإنكارهم البعث وأنهم لما أنكروا البعث قيل لهم: أنتم معترفون بأن الله خالق السماوات والأرض كما قال: {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ} (٣) فإذا اعترفتم بقدرته على الأقوى كانت قدرته على الأضعف من باب الأولى.
(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة يس.
(٢) قرأ "عمّه" البزي عن ابن كثير. تنظر في: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٤٦١)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ٣٦٢)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٨٤)، النشر لابن الجزري (٢/ ١٣٤).
(٣) سورة غافر، الآية (٥٧).