أي: عليكم ملائكة يكتبون أعمالكم، ومنها: إنكار البعث، وتعظيم الحفظة والثناء عليهم تهويل لأمر المجازاة، وأنها كانت لا محالة. وعن الفضيل: كان إذا قرأها قال: ما أشدك من آية على المنافقين (١). {وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ} كقوله: {وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ} (٢).
وقيل: يصلونها يوم الدين وما غابوا عنها قبل ذلك؛ لأنهم كانوا يعذبون في القبور.
وقيل: بين الله في هذه السورة أن لابن آدم ثلاثة أحوال: أحدها: حال الحياة التي يحفظ فيها عمله. وحالته الآخرة وهي دار المجازاة. وحال البرزخ من الموت إلى البعث، يعرض عليه كل يوم مقعده من الجنة أو النار. ويقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله.
{وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ (١٩)}
ولهذا كرر الله: {وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ}.
{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} لا تدفع عنها ضررا ولا تجلب لها نفعا. {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ} وحده {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ} (٣).
من رفع" يوم لا تملك "فهو بدل من {يَوْمُ الدِّينِ} والفتح بإضمار: اذكروا (٤).
ويجوز أن يفتح لإضافته إلى غير متمكن، وهو في محل الرفع (٥).
***
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧١٦) وفيه: الغافلين، بدل المنافقين.
(٢) سورة الحجر، الآية (٤٨).
(٣) سورة هود، الآية (١٠٦).
(٤) تقدم تخريج القراءة آخر سورة المائدة.
(٥) وهو قول الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧١٧).