تفسير سورة "سبح" الأعلى مكية
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥)}
تسبيح اسمه - عز وجل -: تنزيهه عما لا يليق به وصونه عن أن يذكر بغير تعظيم ولا توقير، ويجوز أن يكون "الأعلى" صفة للحديث، وفي الحديث: "أنه لما نزل قوله:
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (١) قال صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها في ركوعكم "فلما نزل {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال:" اجعلوها في سجودكم " (٢).
{خَلَقَ فَسَوّى} أي: خلق كل شيء فسوى خلقه، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم؛ دلالة على أنه صدر عن عالم حكيم. {قَدَّرَ} أي: قدر لكل حيوان ما يصلحه، وهداه إليه.
يحكى: أن الأفعى إذا مرّ عليها ألف سنة عميت، فربما كانت في برية وفي مكان بعيد عن نبات الشمر فتسافر المسافة البعيدة حتى تقع على زراعة الرازيانج، فتحك به عينها، فيعود إليها بصرها، وهذا نوع عظيم من المصالح (٣). وكذلك هداية الله للإنسان وسائر الحيوان إلى مصالحها. {أَحْوى} صفة لا {غُثاءً} أي: أخرج المرعى أنبته فجعله بعد خضرته ورفيفه (٤). {غُثاءً أَحْوى} درينا (٥) أسود. ويجوز أن يكون أحوى حالا من المرعى، أي: أخرجه أحوى أسود من شدة الخضرة.
{سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى (١٢)}
(١) سورة الواقعة، الآية (٩٦).
(٢) رواه أحمد في المسند (٤/ ١٥٥)، وأبو داود رقم (٨٦٩)، والحاكم في المستدرك (١/ ٢٢٥) وصححه.
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٣٨).
(٤) يقال: شجر رفيف: إذا تندى، ويرف رفيفا: يقطر نداه. يقال للشيء إذا كثر ماؤه من النعمة والغضاضة حتى يكاد يهتز رف يرف رفيفا. ينظر: لسان العرب (رفف).
(٥) الدرين: حطام المرعى إذا قدم وهو ما بلي من الحشيش، وقلما تنتفع به الإبل، وأدرنت الإبل: رعت الدرين وذلك في الجدب وحطب مدرن: يابس. ينظر: لسان العرب (درن).