تفسير سورة الفجر مكية
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥)}
أقسم بالفجر كإقسامه بالصبح إذا أسفر، وقيل: بصلاة الفجر، وأراد بالعشر: عشر ذي الحجة. فإن قلت: فما بالها منكرة من بين ما أقسم به؟ قلت: لأنها ليالي مخصوصة من بين جنس الليالي، أو مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها. فإن قلت: هلا عرفت بلام العهد؛ لأنها ليالي معلومة معهودة؟ قلت: لو فعل ذلك لم يستقل بمعنى الفضيلة التي في التنكير؛ لأن الأحسن في الآيات أن تكون متجانسة لئلا يبقى الكلام كاللغز، وبالشفع والوتر: إما الأشياء كلها شفعها ووترها وإما شفع هذه الليالي ووترها، وقد أكثروا في الشفع والوتر. حتى كادوا يستوعبون جميع ما يقع عليه شفع ووتر (٣٣٩ /ب).
وبعد ما أقسم بالليالي المخصوصة أقسم بالليل على العموم. {إِذا يَسْرِ} إذا يمضي وياء {يَسْرِ} تسقط في الدرج، اكتفاء عنها بالكسرة، وأما في الوقف فتحذف مع الكسرة. وقيل:
معنى يسري: يسرى فيه. {هَلْ فِي ذلِكَ} الذي ذكرته من الآيات محل قسم لذي عقل.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧)}
والمقسم عليه محذوف وهو: ليعذبن، يدل عليه قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ} إلى قوله:
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ}.
قيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح: عاد. كما يقال لبني هاشم: هاشم. ثم قيل للأولين منهم عاد الأولى. وإرم تسمية لهم باسم جدهم، ولمن بعدهم عاد الأخير، فإرم في قوله: {بِعادٍ (٦)} {إِرَمَ} عطف بيان لعاد. وإيذان بأنهم عاد الأولى القديمة.
وقيل: إرم بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها، ويدل عليه قراءة ابن الزبير: "بعاد إرم" على الإضافة، وتقديره: بعاد أهل إرم، كقوله: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (١) ولم ينصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث. وقرأ الحسن: "بعاد إرم" مفتوحتين، وقرئ: "بعاد إرم"
(١) سورة يوسف، الآية (٨٢).