تفسير سورة البلد مكية
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)}
أقسم سبحانه - بالبلد الحرام، وما بعده على أن الإنسان خلق مغمورا في مكابدة المشاق، واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ} يعني: ومن المكابدة: أن مثلك على عظيم حرمتك تستحل بهذا البلد الحرام، كما يستحل الصيد في غير الحرم والإحرام، ويستحلون إخراجك وقتلك.
وفيه تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث على احتمال ما كان يكابد من الكفار، أو: سلاّه بالقسم ببلده أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد. واعترض بأن وعده فتح مكة تتميما للتسلية قوله: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ} يعني: في المستقبل؛ وذلك لأن الله لما فتح عليه مكة أحلها له يفعل فيها ما شاء، فقتل ابن خطل، وقيس بن صبابة، وحرم دار أبي سفيان، وقال: "إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها". فقال العباس: يا رسول الله: إلا الإذخر؛ فإنه لقيوننا (١) وقبورنا وبيوتنا، فقال عليه السلام: "إلا الإذخر" (٢) والسورة مكية: فأين فتح مكة منها؟ (٣)
{وَوالِدٍ} هو رسول الله: {وَما وَلَدَ} ذريته، وتنكير {وَوالِدٍ وَما وَلَدَ} للتفخيم.
وقوله: {وَما وَلَدَ} سأي: هو مولود عظيم الشأن؛ كقوله تعالى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ} (٤) أي: بأي شيء وضعت. وقيل: هما لآدم وولده. وقيل: ووالد وولد.
(١) القيون: جمع قين وهو الحداد والصائغ. ينظر: النهاية في غريب الأثر (٤/ ١٣٥).
(٢) رواه البخاري رقم (٣١٨٩، ١٨٣٤، ١٥٨٧)، ومسلم رقم (٤٤٥)، والترمذي رقم (٨٠٩).
(٣) قال الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٥٤) نحو هذا الكلام، وقال: ومثله واسع في كلام العباد، وهو في كلام الله أوسع؛ لأن الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة.
(٤) سورة آل عمران، الآية (٣٦).