تفسير سورة التكاثر مكية
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣)}
{أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ} ألهاه عن كذا: إذا شغله. و {التَّكاثُرُ} التباهي؛ كقوله: {وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ} (١). وروي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا بعددهم، فكثرت بنو عبد مناف بني سهم، فقالت بنو سهم: إنما أهلكتنا الحروب ونحن أكثر منهم، فهلم فلنعد الأحياء والأموات، فعدوهم فكثر بنو سهم، فأنزل الله - تعالى - شغلكم التكاثر حتى عددتم الأموات (٢). وقيل: {أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ،} وهو لا يغني عنكم من الله شيئا، ولا يغنيكم منه أمر. وقيل: {أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ} بالأموال والأولاد، حتى متم وصرتم إلى القبور. قال الشاعر من المتقارب:
زار القبور أبو مالك ... فأصبح ألأم زوارها (٣)
{ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)}
{سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديد، وتكراره ثانيا؛ زيادة في التوكيد، والدليل عليه: أنه أتى (٣٤٧ /أ) ب "ثم"؛ لتباعد ما بين التهديد الأول والثاني، ثم كرر ذلك محذوف الجواب.
والوقف على قوله: {عِلْمَ الْيَقِينِ} ومعناه: لو علمتم علم اليقين لما شغلكم التكاثر، ولا يجوز أن يكون الظاهر جوابا. وقوله: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ} زيادة للتوكيد والتفخيم ويدل على أن المراد بقوله: {لَتُسْئَلُنَّ} أمر عظيم أشد من التهديد. تسوف عين اليقين؛ أي: لترونها رؤية هي عين اليقين وخالصته.
{عَنِ النَّعِيمِ} عن اللهو والتلذذ الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين. وقيل: أراد بالنعيم: التنعم والتفرغ للالتذاذ في الدنيا على ما يزيد في رتبة الدين.
***
(١) سورة الحديد، الآية (٢٠).
(٢) ذكره بهذا السياق الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٩١)، ورواه الطبري في تفسيره (٣٠/ ٢٨٣) بنحوه.
(٣) ينظر البيت في: الكشاف للزمخشري (٤/ ٧٩٢)، لسان العرب (كثر).