تفسير سورة الهمزة مكية
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)}
الهمز: الكسر، كالهزم، واللمز: الطعن. يقال: لمزه ولهزه: طعنه، والمراد: الكسر من أعراض الناس، والغض منهم، واغتيابهم، والطعن فيهم، وبناء (فعلة) يدل على أن ذلك عادة منهم، وقد ضرى بها، ونحوهما: الضّحكة واللّعنة. قال الشاعر من البسيط:
... وإن أغيب فأنت الهامز اللّمزة (١)
وقرئ: ويل لكل همزة لمزة، بسكون الميم (٢) وهو المسخرة الذي (٣) يأتي بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه ويشتم. وقيل: نزلت في الأخنس بن شريق، وكانت عادته الغيبة والوقيعة (٤). وقيل: في أمية بن خلف. وقيل: في الوليد بن المغيرة، واغتيابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم (٣٤٧ /ب) وغضه منه (٥). ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما؛ ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه. {كَلاّ} ردع له عن حسبانه.
{لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} الحطمة: من أسماء جهنم، تحطم ما وقع فيها، ويقال للرجل الأكول حطمة. وقيل: خص الفؤاد؛ لأنه محل الكفر والعقائد الفاسدة. {مُؤْصَدَةٌ} مطبقة، والمعنى:
إنه يؤكد يأسهم من الخروج منها وتيقنهم بحبس الأبد، فتوصد عليهم الأبواب، ويمدد على الأبواب العمد.
(١) هذا عجز بيت لزياد العجم وصدره:
تدلي بودي إذا لا قيتني كذبا ... ينظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٥١٠)، تفسير الطبري (٣٠/ ٢٩١)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٥٦٨)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٧٩٥).
(٢) قرأ بها الأعرج والباقر. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٥١٠)، تفسير القرطبي (٢٠/ ١٨٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٥٦٨)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ٤٩٣)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٧٩٥).
(٣) في الأصل: التي، والصواب ما أثبتناه. كما في الكشاف للزمخشري (٤/ ٧٩٥).
(٤) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٦٢٣) لابن أبي حاتم عن السدي.
(٥) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٩٥).