تفسير سورة النصر مدنية
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً (٣)}
{إِذا} منصوب ب" سبح "وهو لما يستقبل من الزمان والإعلام بذلك قبل حضور وقته من أعلام النبوة، وروي: أنها نزلت في أيام التشريق في" منى "في حجة الوداع (١).
النصر: الإغاثة والإعانة على العدو، وأما الفتح: فهو الاستيلاء على الأماكن التي كانت خارجة عن اليد. وكان فتح مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، ثم خرج إلى هوازن.
{فِي دِينِ اللهِ} أي: إلى ملة الإسلام. {أَفْواجاً} جماعات كثيفة، كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون فيه واحدا بعد واحد، فإن قلت: ما محل {يَدْخُلُونَ؟}
قلت: النصب إما على الحال، إن جعلت الرؤية رؤية عين، أو على أنه مفعول ثان لرأيت. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فقل سبحان الله، حامدا له. {وَاسْتَغْفِرْهُ} واطلب منه المغفرة.
{إِنَّهُ كانَ تَوّاباً} وعن ابن عباس: كان عمر يقدمه ويأذن له مع أهل بدر، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أتأذن لهذا الفتى ولنا أبناء مثله. فقال: إنه ممن قد علمتم. ودعاني يوما، وسألهم عن قوله: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ،} ولا أراه سألهم إلا من أجلي، فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا فتح عليه مكة (٣٥٠ /أ) أن يستغفره، ويتوب إليه. قلت: ليس كذلك، ولكن نعيت إليه نفسه. فقال عمر: ما أعلم منها إلا مثل ما يعلمه، ثم قال: كيف تلومونني بعد ما ترون" (٢).
وعن ابن مسعود: "إن هذه السورة تسمى سورة التوديع" (٣).
{كانَ تَوّاباً} أي: كان في الأزل الذي لا أول له توابا.
(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٦٥٩) ونسبه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال: "هذه السورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق بمنى وهو في حجة الوداع".
(٢) رواه البخاري رقم (٤٩٧٠)، والترمذي رقم (٣٣٦٢) وأحمد في المسند (١/ ٣٣٧).
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٨١٢).