{نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢)}
{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ} تمسكت المعتزلة بهذه الآية في أن من مات مصرّا على كبيرة (٣٣ /أ) يخلد في النار ولا يدخل الجنة؛ لأنه يشترط في دخوله مدخلا كريما أن يجتنب الكبائر، وأهل السنة تمسكوا بقوله - تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} النساء: ٤٨ ويدخل فيه مرتكب الكبيرة، والمصر على الصغيرة، وأمر الكل موكول إلى المشيئة (١). والكبائر: ما ثبت فيه حد.
وقيل: ما هدد فيه بدخول النار. وقيل: الكبائر أمهات المعاصي، والصغائر توابعها فالزنى كبيرة، وملامسة المرأة والخلو بها ومضاجعتها وتقبيلها صغائر، وشرب الخمر كبيرة، وقد: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الخمر عشرة؛ حاملها، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، والمحمولة إليه، وحاضرها، وعاصرها، ومعتصرها (٢)».
قوله: {وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ} هذا هو الحسد، وهو أن يتمنى الحاسد نعمة المحسود، فأما إذا طلب مثلها، فهو غبطة غير محرمة. غير أن في هذه الآية زيادة، وهو النهي عن تمني ذلك.
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣)} {الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ}
(١) قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة الطحاوية: "وأهل الكبائر من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون فيها إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر - عز وجل - في كتابه: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النساء: ٤٨ وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته. فعلى هذا فإن فاعل الكبيرة والمصر على الصغيرة لا ينفى عنه مطلق الإيمان بفسوقه، ولا يوصف بالإيمان الكامل، ولا يحكم عليه في الآخرة بجنة ولا بنار، بل هو في مشيئة الله - عز وجل - وإن مات بغير توبة، إن شاء الله - عز وجل - غفر له بفضله ورحمته، وإن شاء عذبه بعدله وحكمته».
ينظر: شرح الطحاوية (ص: ٣٧٠، ٣٦٩) وينظر عن رأي المعتزلة: الكشاف للزمخشري (١/ ٥١٩).
(٢) رواه أحمد في المسند (٢٥، ٢/ ٧١)، وأبو داود رقم (٣٦٧٤)، وابن ماجه (٣٣٨٠)، والحاكم في المستدرك (١٤٥، ٤/ ١٤٤) من حديث ابن عمر. ورواه الترمذي رقم (١٢٩٥)، وابن ماجه رقم (٣٣٨١)، عن أنس. وقال الشيخ الألباني في الإرواء (٢٣٨٥، ١٥٢٩): وإسناده صحيح.