{وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)}
أما حرف تفصيل، ولابد بعدها من وجود شيئين تقول: أما زيد فعالم، وأما عمرو فجاهل. ولا يجوز الاقتصار على قولك: أما زيد فعالم وهاهنا وقع الاقتصار على قوله:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ} الآية، وإنما جاز الاقتصار ها هنا، فإنه قد مضى ذكر الفريقين بعد قوله: {فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ}
(٤٢ /أ) {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} تنازع العاملان على المجرور في الكلالة والتقدير: يستفتونك في الكلالة، قل الله يفتيكم فيها، فجاءت حجة البصريين في إعمال الثاني، ولو عمل الأول لقال: يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم فيها (١). {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} امرؤ: فاعل؛ فإن الشرط يطلب الفعل، والتقدير: إن هلك امرؤ. وقد امتنع بعض الناس أن يقال: هلك إلا في الكفار، وهو غلط؛ لقوله هاهنا: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} هو عام في الكفار والمؤمنين، ولقوله: {وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمّا جاءَكُمْ بِهِ حَتّى إِذا هَلَكَ} غافر: ٣٤.
قوله: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ} لابد أن يكون: ولا أب؛ لأن الأب يحجب الإخوة. وجعل للأختين هاهنا الثلثين، فجعل الثلثين للبنتين من باب الأولى؛ لأن البنات يحجبن الأخوات عن الفرض فلا يرثن إلا بالتعصيب. {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ} كراهة {أَنْ تَضِلُّوا} أو: لئلا تضلوا. فمن أضمر كراهة قال: أضمرت كلمة واحدة، وأنت أضمرت كلمتين؛ لام كي،
(١) هذه المسألة تعرف بمسألة التنازع ومعناه: أن يتوجه عاملان متقدمان أو أكثر إلى معمول واحد متأخر أو أكثر كما في هذه الآية، حيث إن فِي الْكَلالَةِ في الكلالة تقدمه عاملان وهما يَسْتَفْتُونَكَ ويفتيكم، وقد اختلف النحاة في أي العاملين منهما يعمل في المعمول، الأول أم الثاني؟ فذهب البصريون إلى أن العامل هو الثاني؛ لقربه من المعمول. وذهب الكوفيون إلى أن العامل هو الأول؛ لسبقه. ولا يقع التنازع إلا بين فعلين متصرفين، أو اسمين يشبهانهما، أو فعل متصرف واسم يشبهه، ولا يقع بين حرفين ولا بين حرف وغيره ولا بين جامدين ولا بين جامد وغيره. وإذا جاء الفعل الثاني لمجرد التقوية والتأكيد، فلا عمل له وإنما يكون العمل للأول ولا يكون حينئذ من باب التنازع.
تنظر المسألة في: الإنصاف لابن الأنباري (١/ ٨٧)، المسألة (١٣)، أوضح المسالك (٣/ ١٨٦) شرح الأشموني (٢/ ١٧٥)، همع الهوامع (٣/ ٩٤).