واختلف العلماء هل نسخ شرع موسى أو قرره، فاختار الماوردي (١) أنه ناسخ لا مقرر؛ لأن عيسى دعا الناس إلى إنجيله، وحلل السبت، وحرم الأحد، وأحل لحوم الإبل وألبانها. و «المهيمن»: الشديد.
قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ} تطلعونهم على عورات المسلمين، وتودون أن تكون الدولة لهم على المؤمنين.
{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} شك أو نفاق {يُسارِعُونَ} في مرضاتهم، معتذرين بقولهم:
{نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} أي: بالحكم بينكم بالحق، فندم المشركون على مسارعتهم في رضائهم، وتكشف حال الكفار للمؤمنين، فيقول المؤمنون: {أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}. {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} لم يضر الله شيئا، وإذا جاء وصف النكرة بمفردات وجمل، فالأولى تقديم المفردات، وتأخير الجمل، ويجوز خلافه؛ لقوله هاهنا: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ} وأعزة ولقوله: {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ} (٢) {إِنَّما وَلِيُّكُمُ} إنكار لما سبق من موالاة اليهود والنصارى؛ لأنه حصر الولاية في الله ورسوله والذين آمنوا بلفظة «إنما».
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلاّ أَنْ آمَنّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩)}
قوله: {وَهُمْ راكِعُونَ} يجوز أن يكون حالا من {وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ} وقد روي: أن عليّا تصدق في الصلاة بخاتمه (٣). ويجوز أن يكون وصفا لهم بالركوع الذي هو جزء من الصلاة؛
(١) ينظر: النكت والعيون للماوردي (٤٦٩، ١/ ٤٦٨).
(٢) سورة الأنعام، الآية (٩٢).
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٦/ ١٨٨)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٣/ ١٠٥) لأبي الشيخ وابن -