هذا الشيخ، يشير إلى عبد الرحمن بن عوف فسمعه، فقال: يا عدو نفسه تغمص الفتيا (١)، وتقتل الصيد وأنت محرم، وقد قال الله - تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فها أنا عمر وهذا عبد الرحمن بن عوف، ثم ضربه ضربات (٢).
{هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ} يريد الكعبة وما حولها. ويجب سوق جزاء الصيد إلى منى وذبحه بها، وتفرقة لحمه على من حضر. {أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً} وهو مخير بين الأمور الثلاثة.
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠)}
{صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ} قيل: طعامه: ما مات فيه وهو حلال عند الشافعي (٣). {قِياماً لِلنّاسِ} أي: يقوم مصالحهم، فلا يصح الحج إلا بالطواف بها ولا الصلاة إلا باستقبالها.
قيل: والقلائد: أي: وذوات القلائد.
{ذلِكَ لِتَعْلَمُوا} بحكم الله في هذه الجزئيات إنه سبحانه يعلم الكليات والجزئيات، فإن القائل قائلان: قائل يقول: لا يعلم الجزئيات، ولا شيء منها، وهو مذهب الفلاسفة.
وقائل يقول: يعلم جميعها، فالقول إنه يعلم بعضها دون بعض خلاف الإجماع.
ومثل ذلك أي: ذلك الذي ذكر في هذه السورة من الأحكام من أولها؛ من الوفاء بالعقود إلا ما يتلى من المنخنقة والموقوذة وأخواتها، وتحريم الصيد حالة الإحرام، وعدم انتهاك حرمة الحجاج، وأن العداوة لا تكون سببا للجور، والأمر بالتعاون على البر والتقوى، والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان، وتحريم الميتة وما يتبعها، وتحليل ما
(١) غمص الناس أي: احتقرهم ولم يرهم شيئا، وتغمص الفتيا، أي: تحتقر الفتيا وتستهين بها. ينظر: لسان العرب (غمص)، والأرش: دية الجراحات. ينظر: لسيان العرب (أرش).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٧/ ٤٥).
(٣) ينظر: الأم للشافعي (٢/ ١٧٦).