{فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} ابتلى الغني بالفقير؛ لينظر كيف صبر هذا وشكر هذا، وقوله:
{لِيَقُولُوا} أي: ليقول الأغنياء عن الفقراء: {أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا} فرد الله عليهم: {أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ} الهاء في {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ} ضمير الشأن.
{بِجَهالَةٍ} أي: بإقدام وقلة نظر في العاقبة.
وقوله: {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ليس جوابا للشرط والتقدير: من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده فإن الله غفور رحيم. {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ} السبيل هي الفاعلة، والسبيل كالطريق تذكر وتؤنث، وقرئ {سَبِيلُ} بالنصب (١). والتقدير: ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين وهي مفعولة. {يَقْضِي بِالْحَقِّ} وقرئ {يَقُصُّ الْحَقَّ} (٢) أي: يخبر الخبر الحق.
{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظّالِمِينَ (٥٨) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢)}
{وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ} استعارة، أي: يطلع على الغيوب كما يطلع من بيده المفاتح على ما حوته مفاتحه. عبر بقوله: {فِي كِتابٍ} عن قوله: {إِلاّ يَعْلَمُها} ولا يجوز أن يتعلق {فِي كِتابٍ} ب تسقط فإنه يصير التقدير: لا يسقط شيء من ذلك إلا في الكتاب، وليس ذلك
(١) قرأ نافع وأبو جعفر «ولتستبين سبيلَ»، وقرأ شعبة وحمزة والكسائي وخلف «وليستبين سبيلُ»، وقرأ باقي العشرة «وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ». تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٤/ ١٤١)، حجة أبي زرعة (ص: ٥٣)، الدر المصون للسمين الحلبي (٣/ ٧٦)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٢٥٨) الكشاف للزمخشري (٢/ ١٧)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٥٨).
(٢) قرأ نافع وابن كثير وعاصم وأبو جعفر «يقصّ الحقّ»، وقرأ باقي العشرة «يقض الحقّ». تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٤/ ١٤٣)، الحجة لابن خالويه (ص: ١٤٠)، حجة أبي زرعة (ص: ٢٥٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (٧٧٣)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٢٥٩)، الكشاف للزمخشري (٢/ ١٨)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٥٨).