حكى الزمخشري (١) أن جبريل عليه السلام أتاه بفتيا: ما قول الأمير في عبد لرجل أنعم عليه مولاه بأنواع من النعم، فجعله ملكا، فأنكر ذلك العبد مولاه وادعى الربوبية؟ فأفتى فيها فرعون فقال: يستحق هذا العبد أن يغرق في البحر. فلما أراد الله أن يطبق عليه وعلى قومه البحر وإهلاكهم جاءه جبريل بالورقة، وقال: أنت العبد الذي استفتى فيه.
{قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨)}
{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} أي: أتؤمن الآن وقد عصيت قبل.
{نُنَجِّيكَ} نلقيك على نجوة مكان مرتفع من الأرض؛ لأن بني إسرائيل قالوا: ما غرق فرعون. لما ثبت في قلوبهم من الرعب منه. فألقاه البحر على مكان مرتفع، وكان عليه درع من ذهب، فرآه بنو إسرائيل وعرفوه، وأيقنوا بموته. وقيل: أراد بالبدن: الدرع. بوّأه:
اتخذ له مباءة، وهي مكان يرجع إليه. {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} (٧٩ /ب) أي: مبوأ كريما شريفا.
{فَإِنْ كُنْتَ} أيها السامع لهذا الكلام، كقول الخطيب: "يا ابن آدم عندك ما يكفيك، وتطلب ما يطغيك" (٢).لا يريد شخصا معينا، بل كل سامع، وكذلك قوله: {فَلا}
(١) ينظر: الكشاف للزمخشري (٢/ ٣٦٨).
(٢) ورد ذلك في حديث رواه البيهقي في شعب الإيمان (٧/ ٢٩٤) رقم (١٠٣٦٠)، والطبراني في المعجم الأوسط (٨/ ٣٦١) رقم (٨٨٧٥) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "ابن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، ابن آدم إذا أصبحت معافى في -