{ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} لثقله عليهم، كما تفعل بمن غضبت عليه: ما أستطيع أن أسمع كلامك. {وَضَلَّ} وبطل. {لا جَرَمَ} بمعنى: حقا. الخبت: المكان المنخفض، ثم استعير للرجل المتواضع المتطامن من خشية الله.
{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ} الأعمى والبصير في شبههما بالكافر والبصير والسميع في شبههما بالمؤمن، فهما مثلان لكل واحد.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨)}
{نُوحاً} مصروف، وخرجه الزمخشري (١) على الخلاف في هند؛ لأن كون الوسط عارض إحدى العلتين، وأكثر النحويين جزموا بصرفه. {إِنِّي لَكُمْ} تقديره: قائلا، وهذا الحال المضمر قد عمل في قوله: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} فهو في موضع نصب بالمصدر، أي:
قائلا بهذا القول أن يعبدوا غير الله وعلله بقوله: {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ} وصف اليوم بالألم، والمراد ألم من فيه، ومثله: {عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (٢). قرئ (بادئ) بالهمزة، و {بادِيَ} بغير همزة (٣)، فالمهموز من: بدأت الأمر إذا ابتدأته، وغير المهموز من البدو وهو الظهور، فالتقدير على الأول: اتبعك هؤلاء الأراذل بأول وهلة من غير تأمل ولا تثبت. وعلى الثاني: اتبعوك ظاهرا ولم يفكروا في باطن الأمر وعاقبته.
(١) ينظر: الكشاف للزمخشري (١/ ١٤٥) عند قوله - تعالى: اِهْبِطُوا مِصْراً سورة البقرة: ٦١ قال: "ويحتمل أن يريد العلم وإنما صرفه مع اجتماع السببين فيه وهما التعريف والتأنيث لسكون وسطه؛ كقوله:" ونوحا ولوطا "وفيهما العجمة والتعريف".
(٢) سورة الأنعام، الآية (١٥).
(٣) قرأ جمهور العشرة "بادى الرأي"، وقرأ الدوري عن أبي عمرو "بادئ الرأي".
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٥/ ٢١٥)، الحجة لابن خالويه (ص: ١٨٦)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٣٣٨)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٩١)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٣٣٢)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٢٦٥)، مجمع البيان للطبرسي (٥/ ١٥٣)، معاني القرآن للفراء (٢/ ١١).