مطيع بادر إلى الامتثال، فقال: {يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ} الآية. غاض الماء: يتعدى، تقول:
غضته، بضاد ساقطة، ومنه: {وَغِيضَ الْماءُ}.
{وَقُضِيَ الْأَمْرُ} فرغ من عذابهم. {وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} من قوم نوح، أو:
الظالمين مطلقا. {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ} يريد: أعظمهم حكمة، أو أعدلهم حكما.
{فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وكان عليك أن تعلم حين سمعت {وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أن في أهلك من يهلك، فلا تحتج عليّ بقولك: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}. وجعل هذا السؤال كالذنب الذي يستغفر منه؛ لأن مقامات الأنبياء في أدبهم مع الله في كل حركة وسكون ليس كمقام غيرهم.
{قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧)}
{اِهْبِطْ بِسَلامٍ} أي: بسلامة {وَبَرَكاتٍ}. وقوله: {وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} وقف تام (١)؛ لأن الذي بعده ليس لهم من السلام والبركات شيء، وهو قوله: {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ}.
{تِلْكَ} القصة {مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ} لم تكن {تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ} فإتيانك بها على ما يوافق الكتب المنزلة، مع أنك لم تحاضر العلماء دليل على أن ذلك من الله {إِنَّ الْعاقِبَةَ}
(١) ينظر: منار الهدى في بيان الوقف والابتدا للأشموني (ص: ١٨٦).