{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ} (١) أي: حلوا محل من يتحسر عليه.
{أَإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنّا *} يجوز إثبات الاستفهام في الشرط والجزاء، ويجوز حذفه منهما، ويجوز إثباته في الشرط دون الجزاء وفي الجزاء دون الشرط، وجاء في قوله:
{أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ} (٢) {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} (٣) إثباته في الشرط، وقرئ في هذه الآية بالوجوه الأربع (٤).
لما كان وعد الآخرة ثابتا محققا أخبر عنه بالشيء الثابت؛ كقوله: {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (٥) وقال هاهنا: {وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ}.
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧) اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠)}
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} بالعقوبة استهزاء بها {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ} جمع مثلة، وهي وقائع الله بالأمم الماضية وعلمهم بذلك لمرورهم على بلاد المهلكين ينبغي أن يكون حاملا لهم على طلب الحسنة والاستغفار من السيئة {عَلى ظُلْمِهِمْ} جملة في موضع الحال، واحتج به ابن الخطيب (٦) على أن الله تعالى يجوز أن يعفو عن أصحاب الكبائر من غير توبة؛
(١) سورة يس، الآية (٣٠).
(٢) سورة الأنبياء، الآية (٣٤).
(٣) سورة آل عمران، الآية (١٤٤).
(٤) قرأ نافع والكسائي ويعقوب «أئذا كنا ترابا إنا»، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر «إذا كنا ترابا أئنا»، وقرأ باقي العشرة «أئذا كنا ترابا أئنا». تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٥/ ٣٦٦)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٣٧١)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٢٢٧)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٣٥٧)، مجمع البيان للطبرسي (٦/ ٢٧٧)، النشر لابن الجزري (٣٧٤، ٣٦٤، ١/ ٣٦٢).
(٥) سورة الانفطار، الآية (١٣).
(٦) ينظر: مفاتيح الغيب للفخر الرازي (١٩/ ١١).