{إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً} أي: ساحرا فقال موسى له: "لقد علمت صدقي، فيما جئت به"، وهذا يدل على أن فرعون كان مكابرا، عرف الحق وجحده، وقرئ "لقد علمت" (١) والقراءة المشهورة أتم؛ لأن موسى لا يحتج على فرعون بعلمه (٢).
{مَثْبُوراً} هالكا، {يَسْتَفِزَّهُمْ} يخرجهم {مِنَ الْأَرْضِ} من ديار مصر. {وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ} قيل: مصر. وقيل: الشام.
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩) قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)}
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ} أي ملتبسا به. {فَرَقْناهُ} وفرّقناه (٣): أنزلناه مفصلا ولم ينزل جملة؛ لأن المقصود أن يحفظ في الصدور، ولهذا قال: {عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً}.
{آمِنُوا} ليس أمرا يريد الامتثال بل هو كقوله: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ} (٤).
{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} من أسلم من اليهود يسرعون السجود إذا سمعوه فهو كالذي يخرّ هاويا من مكان عال.
ويستحب أن يقول في سجوده هذه الآية: "سبحان من وعده مفعول" ثم يقول:
(١) قرأ الكسائي "علمت" بضم التاء، بإسناد الفعل إلى موسى عليه السّلام وقرأ الباقون "علمت" بإسناد الفعل إلى فرعون - لعنه الله - وتنظر في: البحر المحيط (٦/ ٦٩)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٤٢٥)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٣٨٥ - ٣٨٦)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٦٩٨).
(٢) قال السمين الحلبي في الدر المصون (٤/ ٤٢٥) موجّها معنى القراءتين: "علمت" بضم التاء، بإسناد الفعل إلى موسى عليه السّلام أي: أني متحقق أن ما جئت به هو منزّل من عند الله، وقرأ الباقون "علمت" بإسناد الفعل إلى فرعون - لعنه الله - أي: أنت متحقق أن ما جئت به هو منزل من عند الله وإنما كفرك عناد. وعن علي رضي الله عنه أنه أنكر الفتح وقال: "ما علم عدو الله قط، وإنما علم موسى".
(٣) سورة الأحزاب، الآيتان (٣٢، ٣١).
(٤) سورة الطور، الآية (١٦).