{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)}
وقوله {أَوْ كَصَيِّبٍ} المعنى فيه: أنك إن أردت تشبيه المنافقين في انتظارهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه يبعث ويؤمنون به، وكانوا من قبل يستفتحون، ويستنصرون على عدوهم، ويقولون:
«اللهم انصرنا عليهم بالنبي الذي تبعثه في آخر الزمان» (١) {فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} فهذا مثلهم.
وإن أردت تمثيل القرآن والهدى الذي جاءهم، وما فيه من التخويفات، ولم يكن حظهم من ذلك إلا الخوف والحذر {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} التوبة: ٦٤ فمثلهم مثل الصيب الذي حظ المسافر منه الخوف من رعوده وصواعقه، ومقصوده الأعظم: ري الأرض، ونجابة زراعتها.
وقوله: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ} الضمير في {يَجْعَلُونَ} لأصحاب الصيب.
والمحيط: مشتق من الإحاطة بالشيء، ومن أحاط بالشيء من جميع جهاته، حصل له العلم به والاستيلاء عليه، والتمكن منه غالبا، فقوله {وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ} يريد: أنه مهلكهم؛ كقوله: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ} يوسف: ٦٦، {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} الكهف: ٤٢ ويجوز أن يريد أنه عالم؛ كقوله تعالى: {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} فصلت: ٥٤ {قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} الطلاق: ١٢.
وذكر في الإضاءة {كُلَّما}؛ لأنهم كانوا حراصا على الحركة، فإذا لاح لهم أدنى نور
(١) أورده الواحدي في أسباب النزول (ص: ٣١) رقم (٣٨) عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٢٦٣)، من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه عن جده، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانت يهود خيبر تقابل غطفان فكلما التقوا، هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء، فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلم كفروا فأنزل الله: وقد كانوا يستفتحون بك يا محمد على الكافرين.
قال الذهبي معقبا: لا ضرورة في ذلك أي لإخراجه، فعبد الملك متروك هالك.