فذكر منافعها، وقد عد من جملتها أنه كان إذا نام قاتلت عنه الهوام، وإذا وصلت إلى بئر ورشاها طويل طالت العصا حتى تصل إلى الماء، وكان إذا اشتهى فاكهة أورقت وأثمرت تلك الفاكهة. وقيل: كانت تمشي إلى جانبه وتحادثه، والله أعلم بصحة ذلك (١).
{وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي} يعني: أرمي الأوراق اليابسة فتأكل الغنم. {وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} أي: حاجات، تقول: لي في كذا مأربة.
{قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ} فإن قلت: جعلها في هذا المكان حية والحية: الثعبان الصغير، وفي موضع آخر قال: {فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ} (٢) والثعبان: الحية العظيمة، وفي موضع قال: {كَأَنَّها جَانٌّ} (٣) والجان الحية الصغيرة؛ فكيف الجمع بين هذه الآيات؟
الجواب من وجهين:
أحدهما: أنها كانت في أول أمرها كالجان، وفي آخر أمرها كالثعبان.
والثاني: أن انقلاب العصا حية وقعت مرتين؛ إحداهما في جبل الطور حين خاطب الله موسى فقلبها له حية ليعتاد انقلابها حية؛ فلا يستوحش إذا رآها قد صارت ثعبانا كبيرا، والمرة الثانية انقلبت (١١٩ /أ) العصا حية حين حضر إلى مجلس فرعون وذلك الذي حصل من الانقلاب يراد أن يكون على أتم الوجوه، وأما انقلابها بين يدي الله عز وجل فالمراد به تعريف جواز ذلك. وقيل: كانت في عظم الثعبان، وفي خفة الجان في سرعة حركتها.
{فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢)}
{فَإِذا هِيَ} فاجأه صيرورتها حية؛ فقال الله له: {خُذْها وَلا تَخَفْ} قيل: ولا تكن بصدد أن تفزع وتفر؛ فإن الخوف لا ينهى عن مثله. {سَنُعِيدُها} مثل {سِيرَتَهَا}
(١) هذا من الإسرائيليات وقد ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٥٥٤) ونسبه لأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه.
(٢) سورة الشعراء، الآية (٣٢).
(٣) سورة النمل، الآية (١٠).