{قالَ فَمَنْ رَبُّكُما} خاطب الاثنين ثم خص الخطاب بأحدهما وهو موسى؛ لأن موسى هو الأصل في نبوة أخيه. {ثُمَّ هَدى} كل حيوان إلى ما يصلحه.
{قالَ} فرعون {فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى} يعني: فما جرى فيها حين كذبوا؟
{قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ} يعني: اللوح المحفوظ. {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً} السبل: الطرق. قوله: {ماءً فَأَخْرَجْنا} عدل فيه عن الغيبة إلى التكلم؛ لأن نزول المطر من السماء وخروج النبات به أمر عظيم لا يقدر عليه إلا الله.
{أَزْواجاً} أصنافا {مِنْ نَباتٍ شَتّى} مختلف. أي: وقلنا: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ} وهو كقوله: {مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} (١) {لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى} لذوي العقول.
{مِنْها خَلَقْناكُمْ} أي: من الأرض، ثم فيه وجهان:
أحدهما: خلق أبيكم آدم من تراب. والوجه الثاني: أن الله وكل بالولد في الرحم ملكا يأخذ من تربة الأرض التي يدفن فيها ذلك المولود فيذره على النطفة؛ فهذا خلقه من تراب (٢)، ثم فرعوا على هذا أن أصل خلقة أبي بكر وعمر مثل نشأة خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ لأن الكل دفنوا في مكان واحد (٣)، وفي الأرض {نُعِيدُكُمْ}.
{وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣)} {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى}
(١) سورة النازعات، الآية (٣٣).
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٥٨٤) ونسبه لعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء الخراساني.
(٣) رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول في أحاديث الرسول (١/ ٢٦٨) عن ابن سيرين - رحمه الله - قال "لو حلفت حلفت صادقا بارا غير شاك ولا مستثن أن الله - عز وجل - ما خلق نبيه صلّى الله عليه وسلم ولا أبا بكر ولا عمر - رضي الله عنهما - إلا من طينة واحدة ثم ردهم إلى تلك الطينة".