وروي أنها نزلت في بشر المنافق خاصم رجلا من اليهود، فطلب اليهودي المحاكمة عند النبي صلّى الله عليه وسلم وطلب المنافق عند كعب بن الأشرف؛ لعلمه أن كعبا يقبل الرّشا (١).
{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢)}
قوله تعالى: {يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} الجار والمجرور متعلق ب «يأتوا» وأتى وجاء سمعا متعديين. وقيل: متعلق ب «مذعنين». قسم الأمر في إعراضهم بين أن يكونوا مرتابين في قلوبهم مرض، أو يخافوا منك الحيف عليهم، ثم إنه أبطل خوفهم وبين أن تأخرهم (١٤٣ /ب) عن طاعته ما كان إلا ظلما بقوله: {بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ}.
{قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ} قرئ بالرفع والنصب (٢) على اسم كان وخبرها، والنصب أفصح؛ لأن قوله: {أَنْ يَقُولُوا} أدخل في التعريف؛ لأنه لا يمكن تنكيره.
فإن قلت: ما فاعل «ليحكم»؟ قلت: هو إيقاع الحكم؛ كقولك: فرق بينهما وجمع بينهما ومثله {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة النصب (٣) أي: أوقع التقطيع. {وَيَتَّقْهِ} قرئ بكسر الهاء ليتولد منها ياء، وقرئ بحذف الياء، وقرئ بسكون القاف (٤) شبه «تقه» ب
= ومثل قول الأعرابي - وكان يطرد الطير عن زرع في سنة جدب من الرجز-:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها
ومن طرادي الطير عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها
حمراء تبري اللحم عن عراقها
والموت في عنقي وفي أعناقها
(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة النساء، الآية (٦٠).
(٢) قرأ جمهور القراء «قول» بالنصب، وقرأ علي والحسن وابن أبي إسحاق «قول» بالرفع، وذلك على أنه الاسم و «أن» المصدرية وما في حيزها: الخبر. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٤٦٨)، تفسير القرطبي (١٢/ ٢٩٥)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢٦٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (٢٢٨/ ٥)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٧٢)، المحتسب لابن جني (٢/ ١١٥).
(٣) تقدم تخريجها في سورة الأنعام، الآية (٩٤).
(٤) قرأ أبو عمرو البصري وشعبة «يتّقه» وقرأ حفص عن عاصم «يتّقه» وقرأ ابن كثير وورش وابن ذكوان وخلف عن حمزة وعن الكسائي «يتّقه» مع إشباع الهاء. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان -