وقرأ اليزيدي (طاعة معروفة) بالنصب (١) على معنى: فأطيعوا، صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب التفاتا وهو أبلغ في تبكيتهم. {فَإِنْ تَوَلَّوْا} فإن توليتم فما ضررتموه، وإنما ضررتم أنفسكم، فإنه ما على الرسول سوى إبلاغ ما حمّل، وما له نفع في قبولكم في طلب عرض من أعراض الدنيا. ومعنى كون البلاغ مبينا أنه قامت على تصديقه الحجج والبينات، وأن يمكّن الدين المرتضى.
قوله - عز وجل: {مِنْكُمْ} لبيان الجنس، كالتي في آخر سورة الفتح (٢) وقوله:
{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} اللام فيها جواب قسم محذوف، أي: والله ليستخلفنهم. وقيل: جعل وعده بذلك بمنزلة المقسم عليه فتلقّى باللام كما يتلقّى القسم. {وَعَدَ اللهُ} النبي والصحابة، أي:
أن يجعلهم خلفاء الأرض، ويذهب عنهم ما كانوا عليه من خوف، فإن الصحابة كانوا بمكة في خوف، وكذلك في أوائل قدومهم إلى المدينة لا يخلون من لباس السلاح، فقال رجل:
أترى (١٤٤ /أ) يخلص لنا يوم نسلم فيه من لباس السلاح، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا يمضي عليكم إلا زمن قليل حتى يجلس أحدكم في ملأ عظيم ينصر الحقّ وأهله» (٣). وصدق الله وعده، وأعطاهم ملك الأكاسرة، وملكوا خزائنهم.
وقوله: {يَعْبُدُونَنِي} يجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له من الإعراب، ويجوز أن يكون حالا، أي: وعدهم بذلك عابدين غير مشركين {وَمَنْ كَفَرَ} أي: هذه النعم.
{الْفاسِقُونَ} الكاملون في الفسق. وفي هذه الآية دليل على أن الخلفاء الأربعة داخلون في هذا الوعد. أو: هم المقصودون به؛ فإن الله - تعالى - استخلفهم ومكنهم فعدلوا.
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)}
{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (٤) أن أحدا يعجز الله، أو لا يحسبن الذين كفروا
(١) وقرأ بها أيضا زيد بن علي على المصدر لفعل محذوف أي: أطيعوا طاعة، وقراءة الجمهور «طاعة معروفة» تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٤٦٨)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٢٣١)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ٤٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٧٣).
(٢) في قوله - تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً، الآية (٢٩).
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٢١٥) ونسبه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية.
(٤) قرأ حمزة وابن عامر «يحسبن» بياء الغيبة، وقرأ باقي العشرة «تحسبن» بتاء الخطاب. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٤٧٠)، حجة ابن خالويه (ص: ٢٦٣)، حجة أبي زرعة (ص: ٥٠٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٢٣٢)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٥٢).