بأن عرضها السماوات والأرض. جمع الله للكفار ضيق محلهم حتى قيل: إنه يزج الكافر في جهنم كما يزج الوتد في الحائط، وهم مغلون في أعناقهم وفي أرجلهم الأصفاد، وهي القيود وقد قرنت أيديهم مع أعناقهم. وقيل: قرن كل إنسان مع شيطانه في الدنيا بالسلاسل.
الثّبور: الهلاك، ودعاء الثبور أن يقال: واثبوراه، أي: تعال يا ثبور، فهذا حينك وزمانك.
{لا تَدْعُوا} أي: يقال لهم ذلك، أو هم أحقاء بأن يدعوا الويل والثبور وإن لم يكن ثم قول، ومعنى {وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} أي: ليس ثبوركم ثبورا واحدا، بل هو متعدد إما لتعدد أسبابه، أو لتعدد أنواع العذاب، أو لأنه كلما بدلوا جلودا غير الأول تضاعفت عقوبتهم، وكثر ثبورهم والضمير الرابط في قوله: {الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} محذوف، أي: وعدها.
{قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨)}
قوله: {جَزاءً وَمَصِيراً} ذكر المصير في الجنة (١٤٧ /أ) ولم يذكره في النار؛ لأن السرور التام إنما يحصل لموافقة المسكن الغرض وسلامته من الغثاثة، فذكره من جزاء الخير وعدا من الله، حقه أن يسأل، وقد سألته الملائكة والصالحون من الإنس، قالت الملائكة: {رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} (١) وقال الصالحون: {رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ} (٢) وقرئ (يحشرهم) بكسر الشين، و (نحشرهم) و (نقول) بنونين (٣). وجائز {وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} يريد: المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير (٤). وعن الكلبي: ينطق
(١) سورة غافر، الآية (٨).
(٢) سورة آل عمران، الآية (١٩٤).
(٣) قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب (يحشرهم) وقرأ الباقون (نحشرهم). وقرأ ابن عامر (فنقول) وقرأ الباقون (فيقول). تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٤٨٧)، حجة ابن خالويه (ص: ٢٦٥)، حجة أبي زرعة (ص: ٥٠٨)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٢٤٦)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٤٦٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٦٨)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٣٣).
(٤) رواه الطبري في تفسيره (١٨/ ١٨٩) عن مجاهد.