وكذلك قوله: {وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} وفيه تعجيب لموسى - عليه السلام - من عظم البركة التي تنتشر من هذه البقعة. الهاء في "إنه" ضمير الشأن. {أَنَا اللهُ} وتفسير للشأن، ويكون المراد: إن مناديك ومخاطبك أنا الله العزيز الحكيم. وعطف قوله: {وَأَلْقِ عَصاكَ} على {بُورِكَ} لأنه نودي بهما جميعا. قوله عز وجل: {إِلاّ مَنْ ظَلَمَ} استثناء من غير الجنس، أي: ولكن من ظلم نفسه منهم في وقوع شيء مما يجوز على الأنبياء {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} {بَدَّلَ حُسْناً} أي: توبة {بَعْدَ سُوءٍ} بعد معصية.
{فِي تِسْعِ آياتٍ} أي: اذهب في تسع آيات، ويجوز أن يكون المعنى: وألق عصاك وأدخل يدك في تسع آيات، أي: في جملة تسع آيات وعدادهن، وهي العصا واليد البيضاء والقمل والضفادع والدم والجراد والجدب في البوادي والطوفان والطمسة وانفلاق البحر والنقصان في مزارعهم فتكون إحدى عشرة؛ إلا أن الجدب قد ينازع في كونه آية.
{فَلَمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦)}
المبصرة: الظاهرة البينة، وجعل إبصار أهلها بها كأنه إبصارها، ويجوز أن يراد أنها سبب في استبصار كل من رآها أو (١٦٢ /ب) في استبصار فرعون وجنوده، ولأن كلمة الحق تهدي، وكلمة الباطل تضل، ومنه قوله تعالى: {قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ} (١)
الواو في "واستيقنتها" واو الحال، و "قد" بعدها مضمرة. والعلو: الكبر والترفع عما جاء به موسى، كقوله: {وَكانُوا قَوْماً عالِينَ} (٢) وفائدة ذكر الأنفس، والعدول عن قوله: {وَاسْتَيْقَنَتْها} للدلالة على أنهم قد رسخ ذلك في قلوبهم واستقر في بواطنهم.
(علما) أي: نوعا من العلوم. وقيل: أراد تعظيمه، أي: علما سنيا.
قوله: {عَلى كَثِيرٍ} يريد من لم يؤت علما، أو لم يؤت مثل علمها. وفيه دليل على
(١) سورة الإسراء، الآية (١٠٢).
(٢) سورة المؤمنون، الآية (٤٦).