وعشرون للطير، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للجن، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة، وسبعمائة سرية، ونسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم (١) فرسخا في فرسخ، وكان يوضع منبره في وسط البساط، وهو من ذهب - فيجلس الناس حوله، والجن حول الناس، وتظلّه الطير بأجنحتها؛ حتى لا تقع عليه الشمس، وترفع ريح الصّبا ذلك البساط، فيقطعوا بالغداة مسيرة شهر، وفي العشي مسيرة شهر، وكان يأمر الريح العاصف برفعه، ويأمر الريح اللينة وهي الرخاء فتسيره، فأوحى الله إليه: أني زدت في ملكك لا يتكلم أحد بشيء إلا حملت الريح ذلك إلى سمعك.
فحكي أنه مرّ بحرّاث فقال: لقد أوتي آل داود ملكا عظيما. فألقته الريح في أذنه فنزل ومشى إلى الحراث، وقال: إنما مشيت إليك لئلا تتمنّى ما لا تقدر عليه، ثم قال: لتسبيحة واحدة يقبلها الله خير مما أوتي آل داود.
{يُوزَعُونَ} يحبس أولهم حتى يلحقهم آخرهم؛ لأن اجتماعهم أهيب وأوقع في النفوس.
{وادِ النَّمْلِ} بالشام وهو كثير النمل.
قرئ {النَّمْلِ} بضم الميم وهي لغة، وكذلك النّملة (٢)، وإنما عدّي {أَتَوْا} ب {عَلى} لأن إتيانهم الوادي كان من فوق، أو لأنه يراد قطع الوادي وبلوغ آخره، يقال: أتى على الشيء. إذا أكمله، وكان سليمان قد أراد أن ينزل عند منقطع الوادي، وإلاّ فما داموا فوق البساط لا يتأذى به النمل ولا غيره من الحيوانات.
ويحكى أن قتادة دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال: سلوا عمّا شئتم. وكان أبو حنيفة غلاما فقال: سلوه عن نملة سليمان؛ أكانت ذكرا أم أنثى؟ فأفحم قتادة؛ فقال أبو
(١) الإبريسم: الحرير، وهو معرب، وفيه ثلاث لغات، قال ابن السكيت: هو الإبريسم بكسر الهمزة والراء وفتح السين وقال: ليس في كلام العرب إفعيلل مثل إهليلج وإبريسم، وهو ينصرف، وكذلك إن سميت به على جهة التلقيب انصرف في المعرفة والنكرة؛ لأن العرب أعربته في نكرته، وأدخلت عليه الألف واللام وأجرته مجرى ما أصل بنائه لهم. ينظر: لسان العرب (برسم).
(٢) قرأ الحسن وطلحة ومعتمر بن سليمان" النمل "و" نملة "بضم الميم وفتح النون، وقرأ سليمان التيمي بضمتين فيهما وهي لغات في الواحد والجمع. وتنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٦١)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣٠٢)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٥٥)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٣٨).