أكاذيب. قال عثمان رضي الله عنه: «ما تمنيت منذ أسلمت» (١) أي: ما كذبت. وقيل: هو استثناء منقطع، أي: لا يعلمون الكتاب لكنهم يتمنون أمورا منها: أن آباءهم تشفع لهم. ومنها: أنّ ما يعملون بالنهار يكفر عنهم بالليل، وما يعملونه ليلا يكفر عنهم نهارا. ومنها قولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً} بذلك {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} صحته {بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} أي: معصية. وأحاطت به خطيئته أي: أهلكه كفره فاستمر عليه إلى الموت فهم من أصحاب النار المخلدين، وأما من آمن وعمل صالحا فهو من الخالدين في النعيم المقيم.
أخذ الله على بني إسرائيل بالتوراة ألا يقتل بعضهم بعضا، ولا يخرج بعضهم بعضا من دياره، وأنهم إذا وجدوا أسيرا من بني إسرائيل يباع أن يشتروه ويعتقوه، ثم خالفوا فقتل بعضهم بعضا، وأخرج بعضهم بعضا من دياره، لكنهم ثبتوا على فداء من وجدوه أسيرا منهم يباع. أي: وأشهدهم على الإقرار بالوفاء بهذا العهد، فقيل لهم: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} والخزي: الذلة والهوان.
{اِشْتَرَوُا} أي: استبدلوا {أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ} (٨ /ب) بما يخالف شهوات نفوسكم {اِسْتَكْبَرْتُمْ} عن طاعته فقتلتم بعضهم، وكذبتم أكثرهم {وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ}.
أي: عليها غطاء وغشاء يمنع من فهم ما يقولون؛ كقوله: {قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ} فصلت: ٥.
وقيل: معناه: قلوبنا أوعية للعلم فمنعنا منه ما يغنينا عما جئت به، {فَقَلِيلاً} نعت مصدر محذوف، أي: فيؤمنون قليلا. وقيل: المراد بالقلة: العدم، وهو كقوله: {ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} سورة ق: ٣ كنوا بالبعد عن الاستحالة. والوقر (٢) بفتح الواو: الثقل في الأذن، وبكسرها الحمل؛ كقوله: {فَالْحامِلاتِ وِقْراً} الذاريات: ٢.
(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (١/ ٤١٩) قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث والأثر) - (٤/ ٣٦٧) ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت - تحقيق: الدكتور محمود الطناحي والشيخ طاهر الزاوي -: التمني: التكذيب، تفعل من مني يمني: إذا قدّر؛ لأن الكاذب يقدر الحديث في نفسه، ثم يقوله، ويقال للأحاديث التي تتمنى: الأماني. واحدتها أمنية.
(٢) لا توجد كلمة الوقر في الآيات هنا، وإن وجدت في مواطن أخرى منها ما ورد في الآية (٥) من سورة فصلت: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ.