{وَالْأَرْضِ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨)}
{رَدِفَ لَكُمْ} ردف: يتعدى بنفسه، ولا يجوز دخول اللام على المفعول المتأخر من فعل متعد، وزيدت اللام في {لَكُمْ} كزيادة الباء؛ كما في قوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} (١) وقد يعدى ب "من" (١٦٨ /أ) كقول الشاعر من الطويل:
فلما ردفنا من عمير وصحبه ... تولوا سراعا والمنية تعنق (٢)
أو ضمن {رَدِفَ} معنى فعل يتعدى باللام؛ نحو: دنا. من عادة الملوك إذا اطلعوا على نصيحة عبد لهم قالوا: يكون الخير، وطب نفسا فيطمئن إلى ذلك وينزله منزلة الوعد الصريح، وكذلك جرت عادة ملك الملوك وهو الله عز وجل، يرد ب "عسى" و "لعل" وليستا من التصريح في شيء. الفضل والفاضلة والإفضال معناه: وإن ربك لذو فضل على عباده بتأخير العقوبة. يقال: كننت الشيء وأكننته. {وَما مِنْ غائِبَةٍ} وكذلك خافية أي: ما من قضية، والتاء فيهما للمبالغة؛ كالعلامة والنسّابة؛ كالتاء في الذبيحة والنطيحة، المعنى: ما من شيء شديد الغيبة والخفاء إلا وهو معلوم عند الله.
لما بعث عيسى - عليه السلام - اختلفت الملل فيه، فاتبعه قوم وكذبه آخرون، وقذفه وأمّه آخرون، فأنزل القرآن بيان ما هو الحق في ذلك. {وَإِنَّهُ} وإن القرآن لهدى ورحمة لمن آمن منهم أو من غيرهم. قوله: {يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ} أي: بعدله؛ لأنه لا يحكم إلا بالعدل؛ فيسمى المحكوم به حكما مع أنه لا يجوز أن يقال: ضرب زيد بضربه، ولا قتل بقتله؛ لأن المعنى فيهما واحد؛ بخلاف قوله: (يقضي بحكمه).
{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥)}
(١) سورة البقرة، الآية (١٩٥).
(٢) ينظر البيت في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٢٩٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣٢٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٨١)، وردفنا: دنونا. وتعنق: تسرع.