العجل إلها بعد ما جاءهم موسى بالبينات، ثم زادك تحقيقا بقوله: {قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ} حب العجل.
{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦)}
كانوا يزعمون أن نعيم الآخرة خالص لهم، فقيل لهم: إن كان كذلك فتمنوا الموت لتصلوا إلى النعيم المقيم في زعمكم {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} بسبب ما اكتسبوه من المعاصي، والاستكبار عن طاعة الرسول. وكيف يتمنونه وهم {أَحْرَصَ النّاسِ عَلى} زيادة في العمر وأحرص من الكفار عبدة الأوثان على ذلك؛ لأن عبدة الأوثان لا يؤمنون ببعث ولا جزاء، ولا يخشون من الموت إلا فقد هذه الحياة (٩ /أ).
أما اليهود فيعلمون أنهم بعد الموت يعاقبون على الكفر والعناد. وقيل: الوقف عند قوله: {عَلى حَياةٍ} ثم يبتدئ {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} (١) أي: قوم أو فريق {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} فحذف الموصوف وأقيمت الصفة وهي فعل مقامه؛ كقوله من الوافر:
أنا ابن جلا وطلاّع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني (٢)
أي: أنا ابن رجل جلا، وتقول العرب: ما منهما مات حتى جرى له كذا، أي: ما منهما رجل (٣). {هُوَ} مبتدأ، {أَنْ يُعَمَّرَ} بدل منه والخبر: {بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ}
(١) قال الأشموني في (منار الهدى) في بيان الوقف والابتداء (ص: ٤٤) الوقف على «حياة» تام عند نافع، والأكثر على أن الوقف على «أشركوا» وهم المجوس، كان الرجل منهم إذا عطس قيل له: «زي هزه رسال» أي: عش ألف سنة، فاليهود أحرص على الحياة من المجوس الذين يقولون ذلك.
(٢) البيت لسحيم بن وثيل ينظر في: الأصمعيات (ص: ١٧)، جمهرة اللغة (ص: ٤٩٥)، خزانة الأدب (٢٦٦، ٢٥٧، ١/ ٢٥٥)، الدر (١/ ٩٩)، شرح المفصل (٣/ ٦٢)، الشعر والشعراء (٢/ ٦٤٧)، الكتاب (٣/ ٢٠٧)، وبلا نسبة في الاشتقاق (ص: ٣١٤)، أوضح المسالك (٤/ ١٢٧)، خزانة الأدب (٩/ ٤٠٢)، شرح الأشموني (٢/ ٥٣١)، لسان العرب (ثنى)، مغني اللبيب (١/ ١٦٠)، همع الهوامع (١/ ٣٠) وقد استشهد به الحجاج في إحدى خطبه بالعراق متلثما، ويقال: في أول خطبة له بالبصرة.
(٣) إذا كانت الصفة جملة أو شبه جملة وحذف الموصوف، فالبصريون يقدرون موصوفا محذوفا، بينما -