بعض العيون. والفرق بين الحزن والخوف أن الخوف غمّ يلحق الإنسان لمتوقع، والحزن غم يلحق لواقع، وهو فراقه وإلقاؤه في البحر، ويروى أنه ذبح في طلب موسى سبعون ألفا، وكانت بعض القوابل من جملة عيون فرعون، وكانت مصافية لأم موسى؛ فقالت لها أم موسى: لتنفعني محبتك اليوم. فلما وضعته ظهر معه نور بين عينيه، فعظم في قلبها وأحبته فلم تنم على الولد، فلما خرجت دخل الذباحون، فأخذت ابنها من الدهش (١) فألقته في التنور والنار مشتعلة فيه، ولا تدري ما تصنع، فلما خرج الذباحون لم تدر أين ولدها، فسمعت بكاءه في التنور، فوجدته قد صار عليه بردا وسلاما، فلما ألحّ فرعون في قتل الولدان (١٧٠ /أ) أوحى الله إليها أن تلقيه في اليم. وروي أنها أرضعته ثلاثة أشهر في تابوت من بردي مطلي بالقار من داخله.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩)}
قوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} "ليكون" منصوب بلام كي التي للتعليل، في مثل قوله:
ضربت بنيّ للتأديب، ولكن التعليل - هاهنا - مجاز؛ لأن التقاطه لم يكن ليكون لهم عدوا؛ فإن الالتقاط لا ينتج العداوة، ولكن لما كانت العداوة قرينة لهذا الفعل استعير له التعليل كما يستعار لفظ الأسد للشجاع. وقرئ "وحزنا" (٢) وهما لغتان؛ كالعدم والعدم.
{كانُوا خاطِئِينَ} فليس خطؤهم في تربية موسى ببدع أو كانوا مجرمين خاطئين فعاقبهم الله بأن ربى عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم.
فلما وقع التابوت في أيديهم عالجوا فتحه فلم يستطيعوا فدنت آسية امرأة فرعون فعالجته ففتحته فرأت بين عينيه نورا هالها عظمه فأحبته محبة شديدة، وكان موسى عليه السلام لا
(١) الدهش: ذهاب العقل من الذهل والوله. وقيل: من الفزع ونحوه، ودهش الرجل بالكسر دهشا: تحير. ينظر: لسان العرب (دهش).
(٢) قرأ بها حمزة والكسائي وخلف، وقرأ بقية العشرة "وحزنا". تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ١٠٥)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢٧٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣٣٢)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٤٩٢)، الكشاف للزمخشري (٣/ ١٦٦)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٤١).