لقوله {وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (١). {فَلَمّا} جاءتهم الرسل تعنتوا واقترحوا على الرسل بعد ظهور معجزاتهم أن يؤتى كل رسول مثل ما جاء به موسى؛ فأنكر الله ذلك عليهم بقوله: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ} وقالوا في حق موسى وهارون:
{سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنّا بِكُلٍّ} واحد منهما {كافِرُونَ}. وقيل: قالوا: في محمد وموسى - صلى الله عليهما وسلم. وقيل: في التوراة والقرآن {سِحْرانِ تَظاهَرا}.
{قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)}
هذا الشرط في قوله: {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} يقوله المدلّ لصحة قوله؛ كما يقوله الصانع لمن عمل له عملا: إن كنت قد عملت لك فأعطني حقي. فإن قلت: ما الفرق بين الاستجابة في الآية، وبينها في قول الشاعر من الطويل:
وداع دعانا من يجيب إلى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب (٢)
حيث عدّي في الآية باللام، وفي قول الشاعر بغير لام؟ قلت: إذا عدّي باللام فالمراد
(١) سورة الإسراء، الآية (١٥).
(٢) البيت من بحر الطويل، لكعب بن سعد الغنوي.
ينظر في الأصمعيات (ص: ٩٦)، تاج العروس (جوب)، جمهرة أشعار العرب ص (١٣٤)، خزانة الأدب للبغدادي (١٠/ ٤٣٦)، لسان العرب (جوب).
ويروي الشرط الثاني منه:
فلم يستجب عند النداء مجيب قال البغدادي في "خزانة الأدب": والمعنى: رب داع دعا: هل من أحد يمنح المستمنحين؟ فلم يجبه أحد. ومعنى الندى: الغاية، وبعد ذهاب الصوت، والجود. كما في "الصحاح".